السودان يعيش مرحلة فاصلة فى تاريخه، ترقباً لقرار لويس مورينو أوكامبو المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية المقرر صدوره الاثنين، وبموجبه سيوجه الاتهام لقيادات فى الحكومة السودانية بارتكاب جرائم حرب فى دارفور، رغم تأكيد الجميع دولياً وداخلياً بأنه لا توجد إبادة جماعية بالإقليم، وسوف يصدر مذكرة توقيف ضد الرئيس البشير. لو صح هذا القول سوف يعود السودان إلى مربع ما قبل الحرب، وسوف يعطى إشارات سالبة لمتمردى دارفور بأنهم على حق، وأن ما فعلوه بالهجوم على العاصمة السودانية وقتل الأبرياء هو الطريق الصحيح. السؤال الملح الآن والذى يطرح نفسه بشدة: لماذا هذا القرار الآن؟ والسودان يشهد حالة جيدة من التراضى الوطنى تمهيداً لانتخابات ديمقراطية، لماذا نجد لائحة الاتهام للمحكمة الجنائية مليئة بقيادات حكومية أو عناصر محسوبة عليها؟ لماذا نجدها خاوية من أحد قادة التمرد فى دارفور؟ هل الحرب فى دارفور من طرف واحد فقط؟ أكد عبد الله مسار، مستشار الرئيس السودانى، أن المحكمة الجنائية الدولية لو أصدرت هذا القرار سيكون قرارها سياسياً وليس عدلياً، وسيعود قرارها بالسودان إلى عهد الاستعمار من جديد. قال مسار لليوم السابع إن المحكمة ليست مستقلة، وإنها تكيل بمكيالين، فالسودان لم يوقع على نظام روما لإنشائها مثله مثل أمريكا، ومع ذلك لا يمكنها توجيه أى اتهام للولايات المتحدة، موضحا أنه لو أصدرت مذكرة توقيف ضد الرئيس البشير فستكون هذه ظاهرة جديدة ضد رؤساء الدول، وأنها بذلك ستقوض عمل منظمة الأممالمتحدة، وسوف تؤثر على سير العلاقات الدولية، وانهيار الدول بدلا من تنميتها، مشيرا إلى أن السودان يعاقب وأمريكا لا تعاقب، مما يعنى وجود شرخ فى العدالة الدولية، ستتمرد بموجبه دول العالم الثالث. وأفاد مسار أن الحكومة السودانية طالبت جامعة الدول العربية بعقد اجتماع عاجل لوزراء الخارجية العرب لمواجهة الموقف، وطالبت بانعقاد مفوضية السلم والأمن بالاتحاد الأفريقى ، وتسعى للتنسيق مع الأصدقاء فى الأممالمتحدة للحصول على مواقف إيجابية ضد هذا القرار، بهدف تحقيق مزيد من التراضى السياسى الداخلى، وتحريك القضايا العالقة بالداخل، مؤكداً أن الرئيس البشير يتمتع بحصانة الرؤساء، ولم تمنعه مثل هذه القرارات من السفر للخارج أو ممارسة مهامه الدستورية بالبلاد. وقال المستشار السودانى إن السودان كان ينبغى مكافأته على حل مشاكله فى الجنوب والشرق وسعيه لحل أزمة دارفور، وعلى إقباله على الانفتاح الديمقراطى، بالاستعداد للانتخابات والتراضى الوطنى بداخله، ولكنه يعاقب بتقويض نظامه الدستورى. وقالت رقية عبد القادر، ممثلة حزب الأمة السودانى بالقاهرة، إن قرار المحكمة الجنائية الدولية يعمل على عدم تحقيق السلام فى السودان، فمازالت هناك مشاكل فى الاتفاقيات الموقعة فى الجنوب والشرق والغرب، بالإضافة إلى وجود استهداف وأجندة دولية ضد السودان لوجود البترول به، ولوجوده على رأس الدول التى يمكنها حل أزمة الغذاء العالمية. وأوضحت رقية عبد القادر أن هذا القرار لو اتخذ سوف ينزع الشرعية عن نظام الخرطوم، وسيعوق حركة الحكومة فى الداخل والخارج، و يضع الدول من حولنا فى حرج لعدم التعامل مع الحكومة السودانية وعدم استقبال رئيسها. وطالبت للخروج من هذا المأزق بتوحيد الجبهة الداخلية لتشكيل حكومة وحدة وطنية لسد الفراغ الذى سوف يحدث، حتى تعد البلاد لمرحلة الانتخابات، وحتى لا يحدث أى نوع من الفوضى تصل بالسودان إلى صومال جديد. وقالت مسئولة حزب الأمة إن البديل وقتها سيكون استيلاء الجيش على السلطة وظهور ميليشيات مسلحة بالشارع. مشيرة إلى صعوبة رفض القرار المتوقع عن المحكمة الجنائية الدولية لأنه صادر من منظمة دولية، وهو ناتج من سياسات الحكومة الخاطئة. من ناحيته أكد هانئ رسلان، الخبير بمركز الأهرام الاستراتيجى ومدير برنامج السودان ودراسات حوض النيل بالمركز، أن هذا القرار سوف ينتج عنه أضرار فادحة، و يقطع الطريق على أى تسوية سلمية بالسودان. قال رسلان لليوم السابع إن الهدف من هذا القرار هو تقويض شرعية النظام السودانى، وقد يؤدى ذلك إلى تفكيك السودان كله، مطالباً الدول العربية والأفريقية وكل دول العالم الثالث بالوقوف صفاً واحداً ضد هذا القرار، ومنبهاً إلى أن هذه المحكمة واقعة تحت تأثير الضغوط الصهيونية والإسرائيلية، والتى تهدف إلى تمزيق السودان. ونبه رسلان إلى ضرورة تعامل المحكمة مع الأمر بنظام العدالة الانتقالية، ولكنها على العكس من ذلك تؤكد أن لديها أجندة ضد أى تقدم سلمى بالسودان. وتمنى السفير صلاح حليمة، مندوب الجامعة العربية فى السودان فى تصريح لليوم السابع، عدم صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية، لأنه سوف يؤدى إلى حدوث إرباك فى العملية السلمية برمتها فى السودان، وأنه سيؤثر على الانتخابات والاستعداد لها، مؤكدا أن النظام فى السودان مستهدف، وأن المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية قد تجاوز حدوده بإصدار مثل هذا القرار فى حق رئيس دولة، متسائلا لماذا هذا القرار الآن والسودان على أعتاب التحول الديمقراطى؟! وقال حليمة إن هذا القرار لابد أن نقف ضده جميعا لأنه غير عادل وسيصب فى صالح فوضى السودان وتفكيكه.