يرى بعض المسلمين والمسيحيين فى مصر أن الضغوط الناتجة عن التطرف الأصولى واندلاع أعمال العنف الطائفية، يدفع مسيحيى مصر للبحث عن الأمان عبر اللجوء إلى العزلة وقطع الراوبط الاجتماعية اليومية، التى شكلت أساس علاقتهم مع المسلمين على مدار القرون الماضية. دفعت الهجمات التى وقعت هذا الصيف على الرهبان وأصحاب المحلات المنتمين إلى الأقلية القبطية فى مصر، واندلاع الصدامات بين المسلمين والمسيحيين، كثيراً من الأقباط المصريين الذين تتراوح أعدادهم بين ستة وثمانية ملايين شخص، إلى عزل أنفسهم داخل هذه الدولة التى يبلغ عدد سكانها أكثر من 70 مليون نسمة. يعتقد بعض الأقباط أن عزلتهم هى إرث البابا شنودة الثالث الذى يعد أطول قيادات الكنيسة بقاءً فى منصبه، وهو من عمل على تقوية الكنيسة كمركز للحياة اليومية للأقباط، وجعلها حصناً لهم خلال فترة خدمته على رأس الكنيسة الأرثوذكسية، والتى بلغت 36 عاما. يلمس كثير من المسلمين والمسيحيين فى جميع أنحاء مصر الانفصال الاجتماعى الذى وقع بينهم، خاصة بين أبناء الطبقة العاملة. كما يشعرون بالحزن لحدوث ذلك، بينما يرى آخرون أن هذا الفصل هو الحل الأفضل. وبالنسبة لكثيرين، فإن النصف الأول من القرن العشرين كان أكثر الأوقات التى شهدت تسامحاً دينياً فى مصر، عندما كانت مصر، ومعها أغلب دول الشرق الأوسط، مركزاً للتنوع بين الثقافات، وتقاليد الجاليات الإسلامية والمسيحية واليهودية القديمة. أدى التوتر بين العالم العربى من ناحية، وإسرائيل والغرب من ناحية أخرى، إلى خروج الجاليات اليهودية إلى إسرائيل بحلول الستينيات وخلال السبعينيات، كما أدى نمو الإسلام السياسى وتدفق العمال العائدين من دول الخليج الغنية بعد تشبعهم بالإسلام المتشدد، إلى زيادة تأثير الأصولية فى مصر، الأمر الذى جعل الحياة أصعب بالنسبة للمسيحيين. وأدت الحروب إلى تدمير الجاليات المسيحية فى بعض البلاد مثل العراق، وتشير إحصائية أعدتها بعض المنظمات المسيحية إلى انخفاض عدد المسيحيين فى العراق من مليون شخص خلال عام 2000 إلى ما يقرب من 400 ألف فقط. وفى مدينة بيت لحم الفلسطينية بالضفة الغربية انخفضت نسبة المسيحيين فى المدينة من 90% خلال الخمسينيات إلى أقل من 50% أو أقل. وبالنسبة لمصر، كان واحد من كل سبعة أشخاص فى الخمسينيات قبطياً، والآن أصبح واحد من كل عشرة أشخاص بحسب تقديرات البعض، على الرغم من أن الحكومة المصرية لا تنشر أية أرقام تتعلق بهذه القضية الحساسة. يقول يوسف سيدهم، رئيس تحرير جريدة وطنى المختصة بشئون المسيحيين، إن جزءا من "الانفصال الاجتماعى" نابع من سياسة البابا شنودة، فالكنيسة قامت فى عهده ببناء مؤسساتها الخاصة، وأصبح المسيحيون يعتمدون على الكنيسة فى التعليم والرياضة والاجتماعيات إلى جانب الدين. ويشير سيدهم إلى أن هذا الأمر كان التغيير الأكبر بالنسبة للأقباط فى المجتمع المصرى، وكان يعنى بوضوح: العزلة والانسحاب. ويؤمن العديد من الأقباط أنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. فهم على سبيل المثال يحتاجون إلى موافقة رئاسية لبناء أى كنيسة، كما يرى الأقباط أن الجهات الأمنية فى الدولة غير مهتمة كثيراً بتوفير الحماية لهم. من ناحية أخرى، ساعد صعود حركة الإخوان المسلمين على جعل الأقباط خارج المنافسة فى الشئون السياسية والنقابات العمالية، مما أدى إلى زيادة دور البابا شنودة كوسيط بين الأقباط والدولة.