أهم أحداث أفريقيا الأسبوع الماضى، ربما لم تكن قمة الاتحاد الأفريقى فى شرم الشيخ.. وإنما كانت تلك الأحداث غير المسبوقة فى برلمانى موريتانيا وكينيا، والتى تنبىء بأن رياحاً ما تتجمع فى أركان القارة، وقد تجتاح باقى الأنحاء لتسرى معها عدوى الممارسة الديمقراطية للحياة البرلمانية، دون أن يكون لمن يتغنون بالريادة فى القارة السمراء يد فيها. فى نواكشوط عاصمة موريتانيا، استقالت حكومة رئيس الوزراء أحمد الواقف بعد أن حدد البرلمان موعدا للتصويت على سحب الثقة منها. صحيح أن رئيس البلاد سيدى ولد على، أعاد تكليف الواقف بتشكيل الحكومة الجديدة، لكن قرار الاستقالة كان المخرج الوحيد لتجنب تعرض الحكومة لسحب الثقة منها، فى خطوة لم تحدث من قبل فى تاريخ البلاد. وبصرف النظر عن تفاصيل الأزمة السياسية فى البلاد فإن الثابت أن تحركا فى البرلمان أجبر الحكومة على الاستقالة، وهو حدث نادر فى أفريقيا والعالم العربى، باستثناء الكويت وما تشهده من احتقان من وقت لآخر فى العلاقة بين البرلمان والحكومة. وفى العاصمة الكينية نيروبى، سحب البرلمان بالفعل الثقة من وزير المالية اموس كيمونيا، بسبب مزاعم فساد فى صفقة لبيع فندق جراند ريجنسى الفاخر بثمن بخس لمستثمرين ليبيين. ورغم أن كيمونيا من حلفاء الرئيس الكينى مواى كيباكى، وشغل منصب وزير المالية معظم فترة النمو الاقتصادى فى كينيا، التى بدأت عام 2003، إلا أن كل ذلك لم يشفع له فى البرلمان الذى دبت فيه روح جديدة بعد انتخابات العام الماضى وصفقة اقتسام السلطة بين الحكومة والمعارضة. سحب البرلمان للثقة من وزير أو من حكومة، ليس من العناوين التى تتكرر كل يوم فى أفريقيا. لكنها أصبحت واقعا بعد الانتخابات الديمقراطية فى دول مثل كينيا فى شرق القارة وموريتانيا فى غربها، رغم أن كلا منهما وصل إلى تلك الديمقراطية من مسار مختلف. ومثل هذه الممارسات كفيلة بأن تنتشر عدواها مع الوقت إلى دول مجاورة، ثم تتسع دائرتها بإطراد لتعم القارة. وحتى فى قمة الاتحاد الأفريقى التى استضافتها شرم الشيخ، فقد أقدم زعماء الاتحاد على إجراء نادر، بالتدخل فى شأن داخلى لإحدى الدول الأعضاء بالدعوة إلى حكومة وحدة وطنية فى زيمبابوى. لكن زعماء أفريقيا -وكثيرون منهم لم يأتوا من طريق ديمقراطى– أدركوا أنه لم يعد باستطاعتهم صم آذانهم عن صرخات الاستنكار فى أنحاء العالم، لوطأ موجابى رئيس زيمبابوى بقدمه على إرادة الشعب فى الانتخابات الرئاسية، ليعلن فوزه بولاية جديدة بعد جولة إعادة، خاضها بمفرده. وسارع موجابى بالتوجه إلى شرم الشيخ ليجلس بين الزعماء الأفارقة، ويجد بعضهم يرحب به ويدافع عنه فى موقف مناقض تماما لما فعله زعماء القارة، حين رفضوا السماح لمويس تشومبى رئيس وزراء الكونغو بالجلوس بينهم، حين حضر إلى القاهرة للمشاركة فى أول قمة أفريقية عام 1964، بعدما لعب دورا مخزيا فى وأد تجربة الزعيم المناضل باتريس لومومبا. وأمر جمال عبدالناصر باحتجاز الرجل فى أحد قصور الرئاسة، بدلا من مشاركته فى القمة. ولم يعامل الاتحاد الأفريقى موجابى على هذا النحو باعتباره بطلا للتحرير، لكن قرار الدعوة لحكومة وحدة وطنية يمثل خطوة نادرة من الاتحاد، وإن جاءت على استحياء غير أنها فى النهاية تكشف عن تغير فى مواقف زعماء القارة تجاوبا مع الظمأ للديمقراطية فى أركان أفريقيا. وإذا كانت نسائم الديمقراطية تهب من شرق القارة وغربها فأين مصر؟ وهل يبقى جمود ممارسات الحياة السياسية لدينا، إلى أن تصلنا تلك الرياح فنحاول وقتها اللحاق بموكب الديمقراطية؟ وهل يكون لنا حينئذ حق التحدث عن ريادتنا؟.. مع الاعتذار المسبق عن تلك الأسئلة.. لحزب الريادة.