لم تحظ صفقة بيع أصل من الأصول المصرية لعملية جدل واسعة، مثلما حظيت به صفقة بنك القاهرة، تلك الصفقة التى فشلت الحكومة فى بيعها الأسبوع الماضى، لعدم وصول سعر المتنافسين إلى السعر الواقعى للصفقة، على الرغم من أن العرض الذى تقدمت به مجموعة البنك الأهلى اليونانى، والذى وصل إلى مليارين و250 ألف دولار، إلا أنها كما ادعت لجنة المزايدة لم تصل إلى القيمة العادلة للصفقة. والحقيقة أن سبب فشل الصفقة فى رأى سياسى أكثر منه اقتصادى، حيث كانت اللجنة المشرفة على عملية البيع، تفضل أن يفوز بتلك الصفقة بنك عربى على الأقل، لأنه من الصعب أن يفوز بنكان أجنبيان بصفقتى بنك القاهرة، وقبله بنك الإسكندرية الذى فاز به مجموعة سان باولو الإيطالى. وليس المهم هنا من سيفوز بصفقة بنك القاهرة، فأنا شخصيا أرفض عملية بيع البنوك بصفة عامة، سواء أكانت لمستثمرين عرب أو أجانب، حيث إنه من الصعب أن يتم بيع أموال لأى مستثمر كان، فأى بنك ما هو إلا مجموعة أموال، سواء لمودعين أو مقترضين، ولابد أن نفرق هنا بين بيع شركة وبيع بنك، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ماذا أضاف المستثمر الأجنبى، الذى قام بشراء بنك الإسكندرية، ما هو المنتج الجديد الذى دخل السوق المصرفية المصرية، وما هو التطور الإدارى الذى أحدثه، وما هى التكنولوجيا المصرفية الحديثة التى دخلت مصر مع دخول هؤلاء المستثمرين؟ وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، تم بيع عدد كبير من البنوك المصرية، سواء التى كانت تساهم فيها بنوك القطاع العام الأربعة وهى بنك مصر والأهلى والقاهرةوالإسكندرية، قبل بيعه أو البنوك الخاصة مثل البنك الوطنى للتنمية، لقد شهدت السوق المصرفية المصرية دخول أعداد كبيرة من البنوك الأجنبية والعربية، ولم نلحظ حتى الآن أى تطور فيها ولم نلحظ دخول أى منتج مصرفى جديد، لم يكن موجوداً من قبل، لقد لاحظنا أن هذه البنوك جاءت للتنافس على المنتجات الاستهلاكية، مثل تمويل قروض السيارات وإصدار البطاقات الائتمانية وكذلك القروض قصيرة الأجل، ولم تتنافس على تمويل المشروعات الإنتاجية أو الصناعية أو الزراعية، ولم تتمكن من جذب شرائح جديدة من المصريين، كما لم نلحظ دخول تلك البنوك فى أى مشروع تنموى أو تمويل مشروع يلبى احتياجات السوق، خاصة المشروعات الزراعية. حقيقة تجربة الاستثمار الأجنبى فى قطاع البنوك، لم تضف أى جديد أو نتائج إيجابية للمجتمع المصرى، ولم نشعر بتطور المنظومة المصرفية المصرية، حيث كان الأمل معقوداً على المستثمرين الأجانب للدخول إلى السوق المصرية بإدارة بنكية حديثة وتطور تكنولوجى وأدوات وأوعية ادخارية حديثة، ترفع من شأن باقى البنوك التى سيكون عليها التنافس معها، وكذلك تطوير الحياة المعيشية للشعب المصرى من خلال توفير أسهل الطرق، التى تمكنه من تلبية احتياجاته بأقل الإمكانيات، مثلما هو الحال فى غالبية دول العالم وفى الولاياتالمتحدة بصفة خاصة، بل على العكس نرى المستثمرين الأجانب مازالوا يتهافتون على السوق المصرية، ويعتبرونها سوقاً بكراً وأمامها فرصة كبيرة للنمو، إلا أنهم جميعا يختارون الطريق السهل والائتمان المضمون، ويتنافسون على استقطاب نفس المستهلكين، الذين كانوا موجودين من قبل والمتعاملين مع البنوك دون محاولة إدخال مستهلكين جدد أو جذب شرائح جديدة. لم نسمع عن بنوك قامت بتقديم قروض للطلبة، وتحصيلها بعد تخرجهم، مثلما هو الحال فى الولاياتالمتحدة، ولم نسمع عن تنشيط سوق التمويل العقارى، ولم نسمع عن تقديم قروض لمنتجين لسلع يتم تصديرها إلى الأسواق الخارجية، ولم نسمع عن قيام بنك بتقديم قرض تأمينى لشركة للاستثمار فى دولة أخرى مثل السودان لتشجيعها لاستزراع الأراضى هناك لتلبية احتياجات الشعب المصرى من الغذاء، ولم نسمع عن قيام بنك بدارسة جدوى لمشروع ضخم لإنتاج سلعة زراعية لإنتاج العلف، واستعداده لتمويله مثلا، أو قيام بنك آخر بعرض استعداده لتمويل مشروع لزراعة أراضى فى جنوب مصر لإنتاج القمح أو أى مشروعات تنموية أخرى. نحتاج حقيقة إلى وقفة، نعيد فيها تقييم عملية بيع البنوك، خاصة بنك القاهر، حيث تم بالفعل إعادة هيكلته وتصفية محفظته من الديون المشكوك فى تحصيلها، فرب ضارة نافعة، ففشل عملية البيع قد تكون فرصة لإعادة حسابات كثيرة فى مسألة تصفية كنز مصرى عظيم اسمه البنوك.