تدريجياً تخفت حدة الانفعالات بعدما وصلت إلى ذروتها، حتى استقرت عند الدرجة المنشودة، هكذا بدأ الدكتور محسن شعلان يعيد حساباته، ويحدد أهداف المرحلة القادمة، فى فترة وجيزة، وهى مدة الأيام العشرة التى قضاها فى بيته بالطابق السابع عشر المطل على منطقة الدقى، بالتدريج، وبالعودة إلى أولى تصريحات الدكتور محسن شعلان عقب دفع الكفالة لوقف تنفيذ الحكم القضائى الصادر بحبسه ثلاث سنوات، يستطيع المتأمل لهذه التصريحات، أن يقرأ أيضاً ما بين السطور من "اضرب ولاقى" ومن هذه التصريحات ما قاله شعلان: "أنا مبقوق من فاروق حسنى"، وإذا استقطعنا كلمة "مبقوق" من سياق تصريح شعلان، وحاولنا أن نجد لها معنى، فسنعجز بالتأكيد عن هذا، فلن يمكن أن تحدد لهذه الكلمة معنى، خصوصاً أن "مبقوق" ربما تأتى من "البق"، وهى إحدى الحشرات الطائرة، ويكون من السهل التخمين أن رئيس قطاع الفنون التشكيلية لم يعد مهتماً باللوحة الضائعة، قدر اهتمامه بموقفه الحرج، ومدى مسئوليته عنها. التصريح الأكثر قوة من تصريح "مبقوق" هو الذى أطلقه شعلان، فى إحدى حواراته الصحفية، ووصف فيه اللوحة بالزبالة، والوزير بالمايسترو، وفى قراءة أخرى للسطور الخفية بين هذين التعبيرين "الزبالة" و"المايسترو" يكشف الدكتور محسن شعلان عن أهدافه تماماً بعد أن حركها من المربع الأول، إلى المربع الثانى، وهى أن اللوحة ليست هى الأهم، بقدر وظيفته، والحاجة الآن إلى مبادرات للصلح مع الوزير، بعد أن تسبب غبار "البرش" و"الزنازين" فى اضطراب هذه العلاقة وتوترها تماما، وذلك من خلال عدة إجراءات، الأولى أن يعترف فيها شعلان للوزير بجدارته على إدارة "الفرقة الموسيقية" التى تتكون من مجموعة من "الجوقة" و"العازفين"، وبعدما كان شعلان يّحمل الوزير خطأ سرقة اللوحة، وأنه عندما زار المتحف أثناء حملته للترشح لليونيسكو، لم يسترع انتباهه، سوى الستائر، لكن بعد عودته إلى منزله فى الطابق ال17 بالدقى، تغير المنظر كثيراً من أعلى، فأصبح الوزير هو المايسترو، وصار من "التخلف" مهاجمة الوزارة، لأن الوزارة هى "جابر ومجاهد وفوزى فهمى وسمير سرحان" وفاروق حسنى هو المايسترو القائد الذى يدير كل هؤلاء، هذه التصريحات الأخيرة لشعلان تحدد بدقة كيف يرسم طريقه للعودة إلى مكتبه بالوزارة أو إلى أى مكتب عظيم من المكاتب الفاخرة التى تمتلئ بمقاعد وثيرة، وتكييفات، وشاشات LCD، وبعد أن كانت نبرة شعلان فى الهجوم على الوزير من شاكلة "أصحاب الياقات البيضاء"، أصبح الوزير هو "المايسترو"، مؤكداً بعدها بخمس أو ست سطور أخرى إستحالة عودته للوزارة لأن عهده الوظيفى قد انتهى، لكنه واصل نبرة الغزل فى هذه السطور يقول شعلان: أنا واضح فى خصامى، عندى خلاف مع الوزير فى هذه القضية، وقبل ذلك لم يكن هناك خلافات، أنا أحد قياداته، وأؤدى دورى على أكمل وجه، وهو يثنى علىّ فى كل وقت، لكن حصل أننا اصطدمنا، وأنا متمسك بأننى كنت على حق، وهو أخطأ، ولا يجب أن يغضب من ذلك، لأنه مثقف يقبل الرأى الآخر، وأقول له: تزعل ليه من أنك تقول إنى مهمل، وأنا أقول لك لأ، أنا مش مهمل، وأدافع عن نفسى؟ ويبدو أن هذا الحوار الصحفى لم يكن كافياً لرأب الصدع الكبير، لأنه سرعان ما أجرى حواراً صحفياً آخر تميز بالصفة العائلية، وحدد فيه هدفه أكثر، فتحدثت أسرته كلها فى هذا الحوار، حيث قالت ابنته مخاطبة الوزير: أرجوك لا تتخلى عن أبى، وقال ابنه: أبى بكل تأكيد لا يريد العودة إلى وظيفته، ولكنه يرغب فى أن يخرج منها خروجاً مشرفاً وليس مهينا، وقالت زوجته: سجن شعلان كان أول فراق بينى وبينه بعد عشرة عمرها 33 عاما، أما شعلان، فقد نفى ما سبق وقاله كله عن اللوحة، ووصفها بالزبالة، كما نفى أيضا رغبته فى عدم العودة إلى الوزارة، بل أفصح تماماً عن هدفه الذى تحقق أخيراً فى جلسة الصلح بالأمس، إذ قال شعلان بالنص فى هذا الحوار العائلى: لم يحدث أن تلقيت عرضا بتعييني مستشارا أول في وزارة الثقافة ولو حدث ذلك فسوف أوافق على الفور، لأن هذا العرض هو المخرج الوحيد لحماية مسيرتى الوظيفية التى قاربت علي الأربعين عاما والتى يجب ألا تنتهى بخروج مهين وجارح.. وأرجو أن يحدث ذلك حتى أحصل على معاش يحمينى وأسرتى من غدر الأيام. هذا السطر الأخير فى تصريحات شعلان، يمثل فحوى رسالة كبرى للوزير، رسالة ترضية من نوع خاص، ودعوة لفتح صفحة جديدة على طريقة "صافى يا لبن؟" فى انتظار أن يقول له الوزير "حليب يا قشطة"، كما حدث أخيراً فى جلسة الصلح بينهما ولا عزاء لزهرة الخشخاش. لكن يبدو أن هذه الدراما لن تنتهى، هاهو الدكتور محسن شعلان يخرج علينا بتصريح جديد، يقول فيه، شكرا يا معالى الوزير، مش عاوز اتبهدل تانى، ويكفينى العودة لمرسمى ولوحاتى، لماذا إذن كانت كل هذه التصريحات، ولماذا كانت كل هذه التكتيكات السابقة، والذهاب إلى الوزير فى مكتبه، وكل هذا الشو، ما تفسيره، فجأة اكتشف الدكتور شعلان أن مبادرة صلحه مع الوزير مهينة؟ هذا أمر غريب جدا، والذى قابله الوزير فاروق حسنى بمنتهى التعجب والدهشة، وحسبما أكد فى تصريحات خاصة لليوم السابع، أن القانون هو الذى يحكم وجود شعلان فى الوزارة، وليس مزاجه، الغضب فى لهجة الوزير، وهو يعطى اليوم السابع تصريحاته، يمكننا أن نشعر به عارما بين السطور أيضا، فالوزير قال: هذه ستكون التصريحات الأخيرة لى فى هذه القضية، التى شغلت حيزاً كبيراً من الإعلام. غضب الوزير نلمحه أيضاً من جملته: شعلان هو الذى طلب اللقاء، أنا كنت فى انتظار الإعلامى خيرى رمضان، ففوجئت بشعلان معه، وكان من المستحيل أن أرفض مقابلته.