النرجسية القاتلة

فكرة رائعة أن يسعى الإنسان إلى التميز والتفرد، وألا يشبه أحدا على الإطلاق، وأن تكون له شيمه ومميزاته الخاصة، سواء على المستوى الفكرى، أو الشكلى أو الاجتماعى، ولكن لابد ألا تتحول هذه الرغبة إلى عرض يحوله إلى شخص نرجسى لا يرى سوى نفسه ومصالحه فقط، حتى ولو كان ذلك على حساب الآخرين، فبين الرغبة فى التميز والنرجسية خيط رفيع، إذا لم ننتبه إليه ستنقلب الميزة الحسنة إلى عيب خطير، يظل معنا طيلة عمرنا، وسيؤثر ذلك بلا قطع على تعاملاتنا مع الآخرين؛ لأن النرجسية تجد صدىً سلبيًا لدى الغير أثناء تعاملاتنا معهم؛ لأنهم للأسف يخشون تنعكس نرجسيتنا عليهم، ويصبحوا ضحايا لهم.
مثل "سنمار" الذى كان ضحية النعمان ملك الحيرة، فمن منا لا يعرف المثل القائل: "هذا جزاء سنمار"، وقصة هذا المثل لهى أكبر دليل على أن الرغبة الشديدة فى التميز قد تنقلب إلى مرض، فقد أراد النعمان ملك الحيرة أن يبنى قصرًا ليس له مثيل يفتخر به على العرب، ويُفاخر به أمام الفرس، حيث إن ابن سابور ملك الفرس كان سيقيم بهذا القصر، إذ أرسله أبوه إلى الحيرة، والتى اشتهرت بطيب هوائها ؛ وذلك لينشأ بين العرب، ويتعلم الفروسية، ووقع اختيار النعمان على سنمار لتصميم هذا القصر، وكان سنمار رجلاً رُوميًا مبدعًا فى البناء، فبنى القصر على مرتفع قريب من الحيرة، حيث تحيط به البساتين والرياض الخضراء، وعندما انتهى سنمار من بناء القصر، وأطلقوا عليها اسم "الخوريق"، وكانت الناس تمر به وتعجب من حسنه وبهائه، وقف سنمار والنعمان على سطح القصر، فقال له النعمان: "هل هناك قصر مثل هذا القصر ؟" فأجاب: كلا"، ثم قال النعمان: "هل هناك بَنَّاء غيرك يستطيع أن يبنى مثل هذا القصر ؟" فأجاب سنمار: "كلا"، ثم قال متفاخرًا: "ألا تعلم يا أيها الأمير أن هذا القصر يرتكز على حجر واحد، وإذا أزيل هذا الحجر، فإن القصر سينهدم"، فقال النعمان: "وهل غيرك يعلم بوجود هذا الحجر ؟" فأجاب سنمار: "كلا"، فألقاه النعمان عن سطح القصر فخر ميتًا، وقد فعل ذلك لئلا يبنى مثله لغيره.
وهكذا، فالنرجسية الشديدة والرغبة فى التفرد والتميز جعلت النعمان يتحول إلى قاتل، والغريب أنه قتل الشخص الذى ساعده على هذا التميز ؛ لذا علينا ألا نبالغ فى هذه الرغبة للدرجة التى تتحول فيها إلى مرض يفتك بنا وبالآخرين، فحذارِ من النرجسية القاتلة.