منافسة جميلة تجرى هذه الأيام بين الإخوان والحزب الوطنى، تختلف تماما عن معارك الانتخابات، وإن لم تكن بعيدة عنها، تدور رحاها فى الأحياء الشعبية وإن لم تكن الأحياء الغنية مقطوعة الصلة بها، إنها " شنطة رمضان" حيث تعمل كوادرالإخوان والحزب الوطنى كخلايا نحل تسابق الزمن لإعداد هذه الحقائب الممتلئة ببعض السلع الضرورية من أرز وعدس وفول وسكر وزيت.. الخ وتوزيعها على الفقراء قبل دخول شهر رمضان. قد يرى البعض شبهات سياسية ومنافسة حزبية فى هذه "الشنط والكراتين" الرمضانية، ليكن، هناك جانبا آخر للصورة، وهو التنافس فى أعمال البر التى تكون مدخلا لكسب قلوب الناس، وما أجملها من منافسة تغيب عنها أحزاب وقوى أخرى، ربما لعدم قناعتها أو لعدم قدرتها "وفى ذلك فليتنافس المتنافسون"، يقول البعض إن الإخوان يقدمون هذه المساعدات ليجنوها لاحقا أصواتا فى الانتخابات، ويرد الإخوان بأن الفقراء الذين يتلقون تلك المساعدات ليس لديهم بطاقات انتخابية وكثير منهم وافدون من أماكن أخرى، وفى المجمل ليسوا من المهتمين بالانتخابات. ورغم أن أعمال البر والعطف على الفقراء والمحتاجين متأصلة فى مصر عبر التاريخ، إلا أن ما يوصف بشنطة رمضان قد بدأ فعليا على يد الإخوان قبل حوالى ربع قرن تقريبا، وتقوم الفكرة على جمع التبرعات من الموسرين سواء من الإخوان أو من عموم المجتمع فى الأحياء الشعبية أو الراقية، وشراء كميات كبيرة من السلع الرئيسية وتوزيعها بشكل متساو على حقائب بلاستيكية تطورت لاحقا إلى "كراتين" وتوزيعها على المحتاجين والفقراء، وقد أعد الإخوان كشوفا بهؤلاء الفقراء، يدخلون عليها تحديثات سنوية، حيث يتم تكليف كل شخص بحصر الفقراء المقيمين فى الشارع أو الحارة التى يقطن بها، كما يقوم هذا الشخص ذاته بإيصال الحقائب الرمضانية والمساعدات الأخرى التى يتم توزيعها فى أعياد الفطر والأضحى وبدء الموسم الدراسى لفقراء الحى. وينشط الإخوان فى جمع التبرعات قبل أكثر من شهر من دخول رمضان، وتصبح الأيام القليلة السابقة لدخول الشهر الكريم منشطا مهما تظهر فيه الطاقات المخبوءة لدى الكثيرين، وخصوصا ممن لا ينشطون فى العمل السياسى، حيث إن هناك قطاعا كبيرا من شباب الإخوان ينشط بصورة أكبر فى العمل السياسى والنقابى والعام، بينما يجد فريقا آخر ضالته ومتعته فى أعمال البر والدعوة ويكون أقل عطاء من الفريق الأول فى العمل السياسى والعام، وهناك فريق يجمع بين الحسنيين، وهكذا تستطيع الجماعة أن توظف ما تمتلكه من طاقات بشرية متنوعة فى أنشطة الدعوة والبر وأعمال السياسة والاقتصاد الخ. بعد أن ظهرت شنطة رمضان على يد الإخوان انتقلت الفكرة إلى الجمعيات الإسلامية الكبرى الأخرى، مثل أنصار السنة والجمعية الشرعية، ومن بعدها إلى الجمعيات الحديثة بل وصلت إلى منتديات الإنترنت والفيس بوك وصار هناك تنافس فى الخير فى تقديم شنطة رمضان حيث أصبح الفقير الواحد يتلقى أكثر من حقيبة من هذه الجهات المتنافسة، وقد حدث فى بعض الأحيان تنسيق بين الإخوان وتلك الجمعيات فى بعض النطاقات المحلية بهدف توزيع أكبر عدد من الحقائب على أكبر عدد من الفقراء، لكن الغالب هو قيام كل فريق بتوزيع الحقائب بطريقته وعلى من هم مسجلون لديه. هذا التنافس على تقديم شنطة رمضان انتقل بدوره من الإخوان والجمعيات الإسلامية الأخرى إلى الحزب الوطنى الذى لم يكتف بتوزيع هذه الحقائب عبر الجمعيات الخيرية التابعة له بل حرص على توزيعها باسم الحزب، وباسم نواب وقيادات الحزب بشكل مباشر فى مواجهة مباشرة أيضا مع الإخوان، وانتقلت المنافسة من هذا المستوى الشعبى إلى المستوى الرسمى حيث دخلت وزارة التضامن الاجتماعى على الخط حتى يكون لها من الخير جانب، وذلك بالتنسيق بين الجمعيات لتوزيع هذه الحقائب الرمضانية ومنح أولوية للأسر الضمانية أى التى تتقاضى معاشا تضامنيا من الوزارة، وتوفير كشوف بأسماء هذه الأسر للجمعيات الخيرية. ما أجملها من منافسة، وما أحوجنا لمنافسات أخرى فى الخير، وإسعاد الفقراء بعيدة عن صخب السياسة وجنونها وسجونها.