نحن جميعاً تقريباً تربينا "ثقافياً" على الكتب والمجلات والجرائم، وكان طبيعيا أن أسير فى شارع وأنا أحمل كتابا أو مجموعة مجلات وجرائد (أتذكر أن أول مبلغ معتبر من المال حصلت عليه من جمعية كنا نقيمها ونحن فى الثانوى، إن هذا المبلغ، اشتريت به كمية كتب، وأنا سعيد للغاية)، وكان الحديث بيننا قرأت أيه اليومين دول. طب هاته علشان اقرأه.. وخد أنت هذا الكتاب علشان يستاهل القراءة. أما الآن فقد اختلفت الصور وانقلبت الآيه إلى النقيض، فلم نعد نرى شاباً يحمل كتاباً أو يدير نقاشاً حول كتاب أو حول موضوع فى مجلة أو جريدة، وإنما الذى يراه.. هو شاب يحمل فى يده مجموعة أسطوانات.. أو يسرع الخطى وهو يحمل كيسة الكمبيوتر (system case) الخاص به لكى يعيد برمجتها.. بعد أن أصابها فيروس ملعون. وهذا يوضح ويؤكد لنا أن فعل القراءة انخفض.. إلى مراحل متدنية مراحل تدعو للقلق. وفى المقابل، تزايد الحديث عن الثقافة والسياسة عبر المدونات، فالكل أخذ يكتب.. بعد أن يقيم لنفسه مدونة.. أو يشترك فى أى مدونة.. ويكتب فيها ما يحب ويرى أنه الأفيد والأحسن وأن كان هذا الذى يكتبه به أخطاء كثيرة ومتنوعة. وأصبح الكمبيوتر والنت خاصة نداهة تنادى على الجميع وتفريهم بشتى الطرق لكى يدخلوا على النت ويغوصوا داخله وإن لم يكن لهم فى القراءة فأكيد لهم فى الصور والأفلام.. وإن لم يكن لهم فى الصور والأفلام فلهم فى الكتابة فى أى مجال وبأى لغة.. وبما أننا شعب بلا ثقافة خاصة به ثقافة تميزه عن غيره من الشعوب، فإنه كان سهلا عليه أن ينساق وراء النداهة نت. وأنتج النت جيلا يعرف باسم جيل (النت) هذا الجيل الذى أخذ من النت وصلة الاتصال بالعالم.. فأصبح لا يقرأ كتابا.. أو جملة.. أو يقرأ جريدة مهمة.. وإنما ترك كل هذا واكتفى بالنت.. يكون هو كتابه ومكتبته واقتنع أنه بهذا قد اكتملت ثقافته ومعرفته وهو بهذا قد أفسد منظومة الثقافة التى تبدأ من أسفل. من حيث القراءة عبر الكتب والمجلات وأى شىء عليه كتابه مع ملاحظة شىء غاية فى الأهمية والخطورة وهو أننا لا نعى قيمة هذا الشىء وهذا الشىء هو فعل القراءة وأنا إلى الآن لا أتخيل مسلماً ما لا يقرأ لأن القراءة ليست طرفاً وإنما هى أمر سماوى فالصلاة لا يمكن أن تكون صلاة بدون قراءة. فالتعامل مع الحياة أصبح فنا وهذا الفن عموده الفقرى القراءة ولا شىء غير القراءة. ويكون السؤال كيف المسلم العادى أن يقرأ وإمام وخطيب مسجده لا يقرأ وإنما يعتمد على الكتب الدراسية فقط ولم يعد يقرأ مقالا سياسياً أو بحثاً علمياً أو عملاً أدبيا؟. وقد توجهت بهذا السؤال إلى إمام وخطيب مسجد فى قريتى (ما هو آخر كتاب قرأ وما هو أهم كتاب فى حياتك) فكان رده خطيراً، حيث قال طبعاً أول كتاب وآخر كتاب قرأت كتاب ربنا القرآن الكريم. فقلت للإمام والخطيب أخطأت لأن كتاب ربنا لا يجب أن يدخل فى أى مفاضلة أو مقارنة وإنما ما هو أهم كتاب قرأته فى حياتك من تلك الكتب التى يجب أن تكون موجوده دائما ً على مائدة المسلم أى مسلم خلقه ربنا حيث يتناول منها ويقرأ منها ما يحب ويجب أن يقرأه لأنه عن طريق القراءة سوف يعرف (ربنا) الذى خلقنا لكى نكون له خلفاء فى الأرض لكى نعمرها ونبنيها كما أمرنا ربنا وعن طريق القراءة سوف نعرف ديننا ماذا يريد منا وماذا نريد منه وسوف نكشف عظمة هذا الدين بأنه هو الذى فى خدمتنا وليس نحن الذين فى خدمته أى أن الدين وجدد لنا من أجلنا نحن وما علينا هو أن نتعامل معه ونفهمه ونطبقه كما يجب لكى تستقيم وتتطور حياتنا. إذن لابد للذى يتعامل مع النت بحثاً وقراءة وكتابة أن يكون قد تعلم وأحب القراء عبر مسارها الطبيعى ألا وهو الكتاب الذى سوف يبقى الاختراع الأهم فى مسيرة الإنسان فى مراحله الطويلة منذ أن هبط آدم عليه السلام حتى قيام الساعة. والكتاب قيمة والنت وسيلة للوصول إلى طريق سوف يوصل إلى غاية لكن الكتاب والقراءة تمنح من يمارساها مجالاً أوسع وخيالا أكبر وأعمق وفرصة أكبر للوصول إلى الغاية. إذن المعادلة هى القراءة ثم البحث ثم التعاون مع النت هنا ينتج لنا إنسان مثقف مستقيم متماشياً مع العصر الذى فاتنا والأمل فى اللحاق به إلا عبر القراءة وحسن التعامل مع الكتاب.