كانت عيناه الصغريتان تراقبها وهى تلعب بكرتها المطاطية وما أن اقترب والدها وداعبها حتى ضحكت الصغيرة وجرت نحو والدتها كى تشرب العصير، لم يتمالك الصغير نفسه فاحمرت عيناه وارتجفت يده الصغيرة وكأنه أحس بأن دموعه أوشكت على الانهمار ولكنه العناد الطفولى الذى تولده الأيام، منعه الاستسلام من أن يسمح لدموعه بأن تظهر ضعفه أمام نفسه، وقرر أن يعبر بطريقته، فأمسك بحجر صغير وقذفه بوجه الطفلة التى فى حضن أمها، وما أن أصابها فى وجهها حتى انفجرت الصغيرة فى البكاء وأسرعت الأم فى مسح الدماء التى سالت على وجهها واجتمع الناس على المنظر ونظروا للصغير، إنه مازال يقف بمكانه، ولم يمنعه الخوف من الهروب، كان لابد أن يرى دماء الصغيرة وهى تختلط بدموعها، ولهفة أبويها وكوب العصير المسكوب، نعم اكتملت الصورة التى أرادها فابتسم ابتسامة لا تعبر عن سعادة بقدر ما عبرت عن الارتياح، وفى ظل الأجواء الملتهبة وانشغال الأبوين بطلفتهما المدللة واستغراب الناس من تصرف طفولى غير مبرر، اقتربت سيدة شابة من الصغير وحدقت أعين الناس ومنهم الأبوان ليروا العقاب الذى سيناله الشيطان الصغير ولكنهم اندهشوا لما احتضنته السيدة وربتت على كتفه وقالت له وهى تمسك بيده الصغيرة. ليس معنى أنك فقدت والديك وحرمت من السعادة أن تحرم غيرك منها، فلنترك غيرنا يعيش بسلام، وأخرجت صورة من محفظتها، وقالت أترى أنهم سعداء بما فعلت؟ هل علمتك أمك أن نؤذى الآخرين، وهنا ارتفعت رأس الصغير إلى السيدة ونظر إليها قائلا "لم أشأ أن أؤذيها بل أردت أن أعلمها أن الحياة قد لا تظل تبتسم لنا طوال الحياة وأن البكاء والدموع سيأتيان يوما، وأنها ستبكى بعد ذلك كثيرا. وهنا اتجهت الأنظار إلى ابن الثامنة، فالاستعطاف الذى كان من نصيب الصغيرة قد اتجه إليه وسادت لحظات صامتة لم ينطق بها أحد، وغادر الصغير مع السيدة نحو الحافلة التى تقل الأيتام لتعود بهم إلى الملجأ بعد انتهاء الرحلة فى يوم العيد.