(لو أصبحت العامية وحدها هى مستودع ذاكرتنا التاريخية لفقدنا أمرؤ القيس والبحترى وابن خلدون وابن سينا، أى أننا سنفقد كل شىء، وتصبح كلاسيكياتنا هى أغانى شكوكو وأقوال إسماعيل ياسين) مقوله من اقوال الراحل د.عبد الوهاب المسيرى خائفا على لغتنا العربيه منبها محذراً مما آلت إليه لغتنا الجميلة.. د.عبد الوهاب المسيرى حلت ذكراه الرابعة فى الثالث من شهرنا هذا.. لكنه سيظل وأبداً فى عقولنا وقلوبنا فارسا من فرسان الفكر ورائداً من رواد التنوير.. فتكفى موسوعته الأشهر والتى كادت أن تكلفه حياته عن اليهود واليهودية والصهيونية والتى شهد لها الجميع من مفكرى العالم بالدقة والأمانة العلمية بعيداً عن كونه مسلماً عربياً فلم يترك شارده أو واردة إلا ذكرها وفندها وكانت سبباً فى تغيير الكثير من الفكر عنهم ودحض أكاذيبهم الخرافية بالعقل والمنطق والتاريخ.. وتتنوع المؤلفات للراحل الكبير حتى أنه قد كتب للأطفال فلم ينساهم فكيف ينسى المستقبل، وهو المفكر العارف بأنهم عماد الأمة بعد أعوام؟ والمؤسف أننا عندما سنكتب عنه سنكتب عن الدوله والتى أهملته فى الحياة والممات فعندما اشتد عليه المرض تقدم أسامة الباز بطلب علاجه على نفقة الدولة فشكل الجاهلون بقدره وعلمه وفكره لجان تلو لجان للبت فى الطلب وفى هذه الأثناء زاره أحد تلاميذه السعوديين، فرأى ما ألت إليه أحواله الصحية، فكتب عن ذلك فى إحدى الصحف السعودية وفى التو كانت هناك طائرة أمير من العائلة المالكة تحط فى مطار القاهره لتذهب به الى اكبر مستشفيات أمريكا تحت العناية الطبية الفائقة ويجرى عملية جراحية صعبة تتم بنجاح ويمكث هناك شهوراً فى أكبر فنادق أمريكا ليكون تحت الملاحظة الطبية.. ثم يأتى إلى بلده ليتفاعل مع القضايا والأحداث ويكتب وكأنه فتى فى العشرين.. ثم يعاود السفر مرة أخرى إلى أمريكا للسير على نظام حقن معين بالآف الدولارات ويتكفلها عن طيب خاطر الأمير السعودى، بينما بلده ونظامها الذى يحكم مغيباً غائباً لا يتكفل بأى شىء ولا يأبه بمرض هذا المفكر الكبير ويتجاهل ما يفعله الأمير السعودى مع أن المسئولية الأدبية والمادية تقع عليه تماماً، فمن صميم مسئوليته رعايته للمفكرين والأدباء والعلماء الذبن أضافوا لهذا البلد كما المفكر الراحل.. كل ذلك والراحل لا يضيق ولا يطلب أو يطالب.. عفيفاً كان ذا شخصية قوية هادئة مبتسمة وكأنه لا يعانى من مرض أو إجحاف.. لم يعش المسيرى فى برج عاجى بعيداً عن الناس بل كان معهم فى معاناتهم ومظاهراتهم البسيطة وسط جحافل الأمن فتظاهر رافضا التوريث والجوع والتعذيب.. فضربوه وهو مع الناس وألقوا به فى الصحراء وهو المتعب المكدود المريض.. ومع ذلك لم يبتعد عن قضايا الناس ولا عن الكتابة ولا عن قول الحق والصدق.. تخيلوا لو أن هذا المفكر كان ألمانياً أو إنجليزيا أو حتى أمريكيا أو خليجياً كيف ستكون معاملته واحتفائهم به حياً وما بعد الرحيل؟ رحمه الله ورحم مبدعينا ومفكرينا الذين أضاءوا حياتنا فننهل مما قدموه لنا ليكونوا لنا عونا على جاهلين يتحكموا فى كل شىء ويرتعون بلا ضمير.. متذكراً نزار وهو يقول لهم: جربوا أن تقرأوا كتاباً.. أن تكتبوا كتاباً.. أن تزرعوا الحروف.. والرمان.. والأعناب.. إن تبحروا إلى بلاد الثلج والضباب.. فالناس يجهلونكم.. فى خارج السرداب.. الناس يحسبونكم نوعاً من الذئاب.