"الدولة لو عايزة تحل مشاكل الفلاحين هتحلها وهم يمثلون أكثر من 50 % من جملة السكان، ورغم ذلك ما تزال حقوقهم ضائعة" .. بهذه الكلمات بدأ كرم صابر، المدير التنفيذى لمركز الأرض لحقوق الإنسان، حواره مع " اليوم السابع " .. كيف ترى إدارة الدولة للملف الزراعى؟ السياسة الزراعية للدولة مبنية على سياسات تحرير الاقتصاد، والموضوع أكبر بكثير من وزارة الزراعة، لأنه يتعلق بسياسة اقتصادية عالمية مصر جزء منها، وما أؤكد عليه أنه لا أحد يستمع إلى صوت الفلاحين، فالاتحاد التعاونى الزراعى لا يعبر عن مشكلاتهم وقضاياهم بالشكل الذى يوازى حجمهم ودورهم. وبالنسبة لموضوع الاتحاد التعاونى الزراعى أو الجمعيات الزراعية المركزية، فهى عبارة عن تشكيلات قديمة عفى عليها الزمن، وهى جثث ميتة، والموجودون بها تابعون لوزارة الزراعة، ولم تقم حتى الآن بعمل مشروع زراعى واحد لتحسين أوضاع الفلاحين. .. وما دور المجتمع المدنى إذن؟ كمنظمات غير حكومية نحاول مناصرة قضايا الفلاحين من خلال التقارير والدراسات التى تطرح البدائل، ولكن إذا كان الوزير نفسه يقول "إن المشكلة ليست فى الوزارة وإنما فى سياسات السوق " فماذا ستفعل منظمات المجتمع المدنى؟. ويجب أن ترفع وزارة الزراعة يدها عن قطاع التعاونيات وتركه للفلاحين، ولابد من تمويل الجمعيات الزراعية، فالجمعيات الزراعية لديها التمويلات الخاصة بها، دفعها الفلاحون فى أسهم لبنك التنمية والائتمان الزراعى عام 1976. القائمون على التعاونيات يؤكدون تقديم الخدمات للفلاحين المرشدون الزراعيون غير موجودين ولا يقدمون أى خدمات للفلاحين، ولم يعد الوضع كما كان فى الماضى. تقصد أن علاقة التعاونيات بالفلاحين اختلفت؟ فى السابق كانت الدولة تقدم الدعم للفلاحين من خلال التعاونيات، وكان بنك التسليف "بنك التنمية والائتمان الزراعى حالياً" جزءاً من التعاونيات، ولما اتجهت الدولة للاقتصاد الزراعى الحر تخلصت من التعاونيات واتجهت إلى فصل كل شىء عنها، وأصبح التعاون بدون دور يذكر. ومنذ منتصف الثمانينات طبقت سياسة جديدة تسمى "سياسة الإصلاح والتحول الهيكلى"، فرفعت الدعم عن مستلزمات الزراعة، وسمحت للقطاع الخاص بالدخول فى هذا المجال وبدأت فى التسعينات سياسات الخصخصة، وانتهت ببيع معظم شركات الزراعة، وكان من أهم النتائج التى ترتبت على هذه السياسات أن الريف انقسم الى فلاحين معدمين لا يملكون الأرض وأغنياء أصحاب الأرض. وهل توقفت الدولة عن دعم التعاونيات منذ تغيير سياستها كما قلت؟ أموال التعاونيات تصل إلى 50 مليار جنيه، لأنها أموال أخذت من بنك التسليف منذ الخمسينات، وبحسابها الآن أقول إنها من الممكن أن تفوق هذا المبلغ، وهذه الأموال يمكن أن تحل مشكلات ما يزيد على 8 ملايين فلاح. ..وإلى أية جهة تعود الأزمة؟ وزارة الزراعة هى سبب الأزمة، لأنها الجهة المسئولة عن اتخاذ القرار، فإذا كانت الدولة تضع حول كل مواطن 3 عساكر أمن مركزى، فكيف لا تستطيع تنظيم عملية توزيع الأسمدة ؟ ولكن هناك أيدى خفية و"بيزنس" لصالح مجموعة من الفاسدين والتجار، ونتج عن ذلك أن نسبة كبيرة من الأراضى الزراعية أصبحت بوراً، وقل الإنتاج بسبب أزمة الأسمدة. وما البديل أمام الفلاحين طالماً أن الاتحاد التعاونى والوزارة لا يدعمانهم؟ من المفترض أن هناك نقابة عمال الزراعة والرى لكنها مجرد نقابة تعمل مع مقاولى الأنفار وتحصل منهم على اشتراكات و"خلاص"، ولا تعرف شيئاً عن عمال الزراعة أو الفلاحين . أما الجمعيات الأهلية فى الريف فدورها تنموى فقط، فى حين لم يسمح قانون الجمعيات الأهلية بتكوين جمعيات زراعية وفى نص المادة 11 مثلا منع قيام أى جمعية على شكل نقابة. بماذا تفسر زيادة هجرة الفلاحين من الريف إلى المدن؟ هناك حوالى مليون مواطن انتقلوا من الريف بعد تطبيق قانون الإيجارات الزراعية 96 للعيش والعمل حول المدن فى القاهرة الكبرى والأقاليم، وهم يعملون كعمال تراحيل أو غيرها من الأعمال التى تجعلهم عرضة لحياة سيئة. وبسبب ندرة العمل تحولوا إلى مجتمعات مهمشة. لكن أوضاع المدينة سيئة كأوضاع الريف تماماً، والتقسيم فى مصر ليس تقسيم ريف ومدينة بل معدمين وأصحاب نفوذ يستطيعون الحصول على معلومات، ويكسبون الملايين بلا جهد وإنما بالعلاقات وهو ما يحدث فى بيزنس الأراضى والأسمدة والحديد، فنحن أمام كارثة. بمناسبة النفوذ .. هل عادت مصر إلى عصر الإقطاع من جديد؟ ليتنا فى عصر الاقطاع. ما نحن فيه الآن عصر لم يرد فى قاموس العلوم السياسية ولا يوجد له أوصاف. فنحن فى عصر نهب منظم وتخبط ومسخ لعقول وخبرات البلد. وهل هناك مواثيق دولية لحماية الفلاحين صدقت عليها مصر؟ نحن فى زمن لا تحترم فيه القوانين، ولدينا قوانين تحتاج الى تعديل. ومصر وقعت على مواثيق دولية تلزمها بتطبيق الرعاية الصحية والتعليم والعمل والسكن والضمان الاجتماعى ومجموعة من الحقوق للفلاحين، وكلها غير مفعلة. تحدث وزير الزراعة عن رفع معدل النمو الزراعى إلى 4 % هل من الممكن تحقيق ذلك؟ " الوزير يقول اللى هو عايزه " نحن نرى أوضاعاً متدهورة ونزاعاً مستمراً بين الدولة والأفراد على الأراضى لصالح أفراد بعينهم ، وبالتواطؤ مع وزارة الزراعة والحكومة .. فكيف يكون هناك نمو أو تقدم؟.