· .. ويتساءل: هل يستطيع شيخ الأزهر حماية مسلمة كما يحمي البابا المسيحيين؟ وهل له أن يطلب تسليم متنصرة ؟ وهل يمكن للمسلمين التظاهر في الأزهر كما يفعل الأقباط في الكنيسة؟ هل يجوز للمسلمين حكاما أو محكومين تسليم امرأة كانت مسيحية وأسلمت إلي الكنيسة أو إلي زوجها المسيحي أو إلي أي جهة غير مسلمة ؟ الجواب : بإجماع علماء الأمة لا يجوز تسليم امرأة كانت مسيحية أو علي أي ديانة أخري ثم دخلت الإسلام إلي أي جهة من الجهات وذلك بعد التأكد من إسلامها لأن الله نص علي ذلك في الآية الكريمة : ( يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَي الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يحْكُمُ بَينَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) الممتحنة :10 فهذه الآية الكريمة عامة في أي امرأة جاءت إلي المسلمين وهي مؤمنة وقد علمنا إيمانها الظاهري ، والله أعلم ببواطن الأمور ، فلا يجوز أبدا إعادتها أو تسليمها إلي الكفار . والكفار هنا هم أتباع أي دين غير دين الإسلام سواء كانوا كفار إنكار لوجود الله أصلا كالملحدين . أو كفار إشراك بالله أي يقرون بوجود الله ويعبدون معه آلهة أخري كمشركي مكة في زمانهم او الهندوس والبوذيين في زماننا . أو كفار أهل الكتاب من المسيحين واليهود . لقول الله تعالي في أهل الكتاب : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيمَ قُلْ فَمَنْ يمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَينَهُمَا يخْلُقُ مَا يشَاءُ وَاللَّهُ عَلَي كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (17) المائدة : {17} وللآية الكريمة : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) المائدة : 72 وللآيات الكريمة : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ ينْتَهُوا عَمَّا يقُولُونَ لَيمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يتُوبُونَ إِلَي اللَّهِ وَيسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيفَ نُبَينُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّي يؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) المائدة :{73 -76} وللآيات الكريمات : (إِذْ قَالَ اللَّهُ يا عِيسَي ابْنَ مَرْيمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَينِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِمْ وَأَنْتَ عَلَي كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ (117) {المائدة : 116 ، 117} فالمسيحيون هنا هم كفار أهل الكتاب ولا يجوز تسليم المسيحية التي أسلمت إلي المسيحيين حتي وإن كان أبوها أو زوجها أو الكنيسة ونصت الآية علي أن المرأة المسيحية التي أسلمت وكانت متزوجة لا ترد إلي زوجها لأنها لا تحل له وعلي المسلمين أن يدفعوا إلي هذا الزوج المسيحي المهر الذي دفعه لزوجته لما كانت مسيحية . وأي مسئول مسلم يسلم امرأة مسلمة إلي أي جهة غير إسلامية لأي سبب من الأسباب فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين وخالف حكما صريحا في كتاب الله . أما من يحتج بجواز تسليم المسيحية التي أسلمت إلي الكنيسة بما حدث في صلح الحديبية من تسليم رسول الله أبي جندل بن سهيل إلي أبيه فهذا يسميه العلماء القياس الفاسد أو القياس الشيطاني وأنا أسميه القياس السلطاني أي الفتوي للسلطان وتبرير أعماله المخالفة لشرع الله . أقول : إن هذه الآية الكريمة في سورة الممتحنة قد نزلت بعد صلح الحديبية ، وهي بإجماع الأمة آية ناسخة للشرط الذي كان موجودا في الصلح والقاضي بتسليم المسلمين الذين يأتون إلي رسول الله مسلمين إلي قريش . فلم يعد لمخلوق الاحتجاج بهذا الشرط في الصلح للأسباب الآتية : أولا : هذا الشرط في الصلح نسخ بالآية القرآنية السابق ذكرها في صورة الممتحنة . ثانيا : لم يحدث أن سلم النبي أو أحد من أئمة المسلمين مسلمة إلي الكفار أبدا وأول إمرأة أسلمت من قريش بعد صلح الحديبية هي سبيعة بنت الحارث وجاءت إلي رسول الله في المدينة مهاجرة فنزلت الآية الكريمة من صورة الممتحنة فامتحنها النبي صلي الله عليه وسلم ، ولم يسلمها إلي الكفار وكانت متزوجة ،فجاء زوجها يطلبها وفقا للشرط في صلح الحديبية ، فرفض النبي تسليمها إلي زوجها ، وأعطي النبي لزوجها مهرها الذي دفعه لها ثم تزوجها عمر بن الخطاب . ثالثا : صلح الحديبية كان بين رسول الله وكيان مستقل ذي سيادة ومعادي وفي حالة حرب مع المسلمين وهم قريش فهل الكنيسة كيان مستقل ودولة داخل الدولة وفي حالة حرب مع المسلمين ؟ رابعا : هذا الشرط في الصلح لم يفعله النبي عن أمره ولكن بوحي من الله عز وجل , لأن صلح الحديبية فيه دنية للمسلمين في دينهم كما فهم عمر بن خطاب وكان جواب النبي هو ما ورد في هذا النص ( عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وكان في الصلح .... أَنَّهُ لاَ يأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَي دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَينَا . قَالَ الْمُسْلِمُونَ : سُبْحَانَ اللهِ كَيفَ يرَدُّ إِلَي الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا ؟ فَبَينَمَا هُمْ كَذَلِكَ : إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيلِ بْنِ عَمْرٍو يرْسُفُ فِي قُيودِهِ , وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ , حَتَّي رَمَي بِنَفْسِهِ بَينَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ . فَقَالَ سُهَيلٌ ( وهو المفاوض وهو والد أبو جندل ) : هَذَا يا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَي . فَقَالَ النَّبِي صلي الله عليه وسلم : إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ . قَالَ سُهَيلٌ : فَوَاللَّهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَي شَيءٍ أَبَدًا . قَالَ النَّبِي صلي الله عليه وسلم : فَأَجِزْهُ لِي . قَالَ سُهَيلٌ : مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ . قَالَ النَّبِي صلي الله عليه وسلم : بَلَي فَافْعَلْ . قَالَ سُهَيلٌ : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ . قَالَ النَّبِي صلي الله عليه وسلم : قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ يا سُهَيلٌ . قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ : أَي مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَي الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ ، وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللهِ . قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : فَأَتَيتُ نَبِي اللهِ صلي الله عليه وسلم فَقُلْتُ : أَلَسْتَ نَبِي اللهِ حَقًّا ؟ قَالَ : بَلَي . قُلْتُ : أَلَسْنَا عَلَي الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَي الْبَاطِلِ ؟ قَالَ : بَلَي . قُلْتُ : فَلِمَ نُعْط الدَّنِيةَ فِي دِينِنَا إِذًا ؟ قَالَ : إِنِّي رَسُولُ اللهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهْوَ نَاصِرِي . قُلْتُ : أَوَلَيسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيتَ فَنَطُوفُ بِهِ . قَالَ : بَلَي , فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ ؟ قُلْتُ : لاَ . قَالَ : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ ؟ قَالَ عمر : فَأَتَيتُ أَبَا بَكْرٍ , فَقُلْتُ : يا أَبَا بَكْرٍ أَلَيسَ هَذَا نَبِي اللهِ حَقًّا ؟ قَالَ : بَلَي ؟ قُلْتُ : أَلَسْنَا عَلَي الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَي الْبَاطِلِ ؟ قَالَ : بَلَي . قُلْتُ : فَلِمَ نُعْط الدنِيةَ فِي دِينِنَا إِذًا ؟ قَالَ أبو بكر : أَيهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم وَلَيسَ يعْصِي رَبَّهُ وَهْوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَي الْحَقِّ . قُلْتُ : أَلَيسَ كَانَ يحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيتَ وَنَطُوفُ بِهِ ؟ قَالَ : بَلَي أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ ؟ قُلْتُ : لاَ . قَالَ : فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ به ................. الحديث ) صحيح البخاري وصحيح مسلم وفي الختام : هل يستطيع الإمام الأكبر أن يحمي مسلمة كما يحمي البابا المسيحيين ؟ هل يمكن للإمام الأكبر أو لأي مسلم طلب تسليم من يتنصر من المسلمين ؟ هل يمكن للمسلمين أن يتظاهروا داخل الجامع الأزهر كما يتظاهر المسيحيون داخل الكنيسة ؟ هل يمكن للمسلمين أن يتسلموا امرأة تنصرت وتختفي هذه المرأة لا يعلم عنها أحد شيئا ؟ هل يمكن لإمام مسلم أن يقدم بلاغا للسلطات أو يهيج المسلمين بدعوي أن امرأته اختطفت وتظهر المرأة بعد ذلك ويتضح أنها لم تختطف وأن هناك مشاكل عائلية ولا يحاكم هذا الإمام ولو حتي بتهمة البلاغ الكاذب ؟ فلماذا نرضي الدنية في ديننا ؟