تامر فتحى شاعر مصرى من مواليد 1980، صدر ديوانه الأول "بالأمس فقدت زرا قصة الملابس" فى أواخر عام 2005 عن دار شرقيات بالقاهرة. الديوان يتكون من خمسة فصول هى: عندما تكون الملابس فى المتجر، عندما كانت الملابس صغيرة، عندما تمارس الملابس حياتها اليومية، عندما تموت الملابس". يضع الشاعر فصوله بين (تصدير) ينقله عن شكسبير يقول فيه "تحت طيات ثيابك قصة لاتنتهى" و(شكر) يخص به ضمن من يخص "فترة عمل دامت أكثر من عام فى محل الملابس منحتنى خلالها فكرة العمل". جملة منحتنى خلالها فكرة العمل ذكرتنى بما كتبه طه حسين فى مقدمته لكتاب (أحاديث الأربعاء): ليست هذه الصحف التى أقدمها إليك سفرا ولا كتابا، كما أتصور السفر والكتاب، فأنا لم أتصور فصوله جملة، ولم أرسم لها خطة معينة ولا برنامجا واضحا قبل أن أبدأ فى كتابتها وانما هى مباحث متفرقة كتبت فى ظروف مختلفة.. فلست تجد فيها هذه الفكرة القوية الواضحة المتحدة التى يصدر عنها المؤلفون حين يؤلفون كتبهم وأسفارهم". تامر فتحى إذن يفعل فى ديوانه ما يحقق فكرة طه حسين عن الكتاب فالديوان يصدر عن فكرة واحدة، والديوان كله مكتوب فى ظروف واحدة خلال السنة التى عمل فيها الشاعرفى محل الملابس وحتى القصائد الخمس التى يتكون منها الديوان ليست الا فصولا متعاقبة فى قصة واحدة هى قصة الملابس منذ البداية وحتى الختام. الديوان يضعنا أمام شعر ينشأ من مراقبة حياة الأشياء من حولنا، والمهم فى هذه التجربة، أن تفاصيل الحياة اليومية- التى أصبحت ديدن شعراء ما بعد السبعينات- تجد لها عند تامر فتحى مفهوما مغايرا لما يلوكه شعراء هذه القصيدة يقول : "هؤلاء الذين يشاهدون دهشتها عندما تمشى فى الشارع لأول مرة/ تتهجى الأسماء/ وتشم الروائح/ وتلمس ملابس الآخرين.. هؤلاء الذين يسمعون شهقتها عندما تفاجئها بقعة الطعام أو القهوة أو الحبر لأول مرة/ هؤلاء ليسوا بكثير". هنا يقدم الشاعر مذاقا آخر للكتابة عن الحياة اليومية، مذاقا تجعله الندرة والرؤية المختلفة قادرا على إثارة الدهشة- حتى مما نعرفه- إذ يخرج معلوماتنا من التواطؤ البارد إلى وهج نرى الأشياء معه كائنات حية تستحق التعاطف. "الملابس التى فقدت زرا/ أو تشوهت أقمشتها/ لها حزنها الخاص/ عزلتها/ استسلامها الكامل بأن تتحول إلى المخزن / أو إلى الأسواق الخلفية". الملمح الثانى الذى يخالف به الشاعر الشائع من قصائد الحياة اليومية هو تلك المسافة التى يصنعها بين الذات والموضوع، المسافة التى تحرره من هوس الذات ونرجسيتها الطاغية، إذ يقدم نفسه كضمير غائب، كموضوع للنظر(الملابس) فيما يبقى صوته حاضرا كوعى راء يمكنه التعليق تقول الملابس: ذات صباح / استيقظت على وجود مزق تحت الإبط " بينما يقول الراوى: "عندما تشتهى الملابس الموت / تبدو غير مهندمة أو ذات أكمام قصيرة / تغافل سطوة مشبك الغسيل / لتلقى بنفسها من أعلى الشرفة" دورات من التماهى والانفصال تصنع هذا الحوار بين الذات كموضوع والذات كوعى مراقب. "للإبر وخزها وهى تودعنى الحياة / والتفاصيل الصغيرة / ومخيلة من الكرتون / ( فيما بعد ستقرأ هذه المخيلة ماركيز، لوركا، سعدى يوسف، صنع الله ابراهيم ) وهى تخيط جسدى / وتطرز حزنى / وتجعلنى أمارس الصراخ" الديوان يدخل إلى الشعرية مفردات لم تكن فيها من قبل مثل : الشماعات، الفاترينه، الديفو، تعليمات الغسيل، ماكينات الخياطة، مواد التبييض، رغوة المسحوق، مشبك الغسيل، لسعة المكواة الخ الديوان بحركاته الخمس يقدم امثولة تراجيدية لحياة المهمشين، فمن خلال دورات التماهى والانفصال بين الذات والموضوع، أو الرائى والمرئى يتمكن القارىء من المجاورة بين الضميرالخاص بالملابس والضمير الخاص بالانسان المهمش فيقرأ: (له/ لها) قدرتها على الاقتناص وعلى أن (يصبح/ تصبح) الفريسة ... (الهامشى/الأقمشة) لاتعشق المانيكانات (هو/ هى) تعشق الخروج / (يكره/ تكره) الزجاج و(يحسد/ تحسد) الملابس الطليقة/ فمنذ (كان/ كانت) فى المصنع و(هو/هى) تشتهى الهروب ... (هو/هى) تترك نفسها للمسحوق يعمل جاهدا على ازالة أحلامها / كى (يبدو/ تبدو) بيضاء ناصعة (يستسلم/ تستسلم) للعصر وأن (يتدلى/ تتدلى) طائعة من حبل الغسيل / (يستقبل/ تستقبل) الهواء والشمس والأتربة / (يلقى/ تلقى) وسط الملابس المتسخة / (يعتاد/ تعتاد) البقع ولسعة المكواة " الديوان محاولة للخروج من صفوف الجوقة للعب دور سولو، محاولة واعدة وجادة لشاب فى مقتبل الشعر!