سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هل سيستفيد الاقتصاد المصرى من استخدام الروبل بديلا عن الدولار؟.. السيسى وبوتين يحاربان احتكار العملة الأمريكية لأسواق العالم بالتخلى عن العملة الخضراء.. علاقات القاهرة وموسكو تمتد لعدة قطاعات
نقلا عن العدد اليومى... فاجأ الرئيس عبد الفتاح السيسى الأوساط الاقتصادية المصرية والعالمية منذ أيام بالإعلان أن مصر تدرس حاليا استخدام الروبل الروسى فى المعاملات التجارية بين مصر وروسيا خصوصا فيما يتعلق بالسياحة. ورغم أن هذا المقترح طرح من قبل ومنذ عام تقريبا، فإنه لم يجد وقتها هذا الاهتمام من كل وسائل الإعلام والمهتمين بالاقتصاد، بعدما أعلن عن ذلك الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى يعتبر حاليا رمزا مصريا للالتزام بما يقول، ولا يطلق تصريحات للإعلام إلا بعدما يكون قد درسها بالفعل جيدا ويعرف منافعها وأضرارها، وهو ما خلق كل هذا الزخم الإعلامى بعد إعلان الرئيس. استخدام الروبل الروسى بديلا عن الدولار فى التعاملات بين البلدين ليس بالأمر الهين، الذى ينتهى بتصريحات فى مؤتمر صحفى، ولا يمكن أن يكون لمجرد مجاملة روسيا على مواقفها الداعمة لمصر، مؤخرا، خصوصا بعد ثورة 30 يونيو، وإنما يؤكد مدى التقارب بين مصر السيسى وروسيا بوتين، ورغبتهما فى دعم اقتصاد بلديهما ضد احتكار الدولار للأسواق وسيطرته عليها، وفى نفس الوقت يخضع للمبادئ الاقتصادية وإجراءات الرقابة المطلوبة من البنوك المركزية فى البلدين بما لا يضر البلدين. ولكن يبرز هنا تساؤلات مهمة.. هل ستستفيد مصر من استخدام الروبل بديلا عن الدولار؟ وهل هناك أعراض جانبية ضارة لذلك على الاقتصاد المصرى؟ هناك حقيقة لا بد أن نعرفها قبل أن نجيب على هذه الأسئلة، وهى أن مصر تستورد من روسيا منتجات من القمح والغاز طبيعى، وغيرهما ما قيمته حوالى 4.1 مليارات دولار، ويأتى لها حوالى 3 ملايين سائح روسى سنويا، يدفعون حوالى 3 مليارات دولار، فى حين تصدر مصر إلى روسيا ما قيمته حوالى 600 مليون دولار معظمها مزروعات، خاصة البطاطس والفواكه. إذن هناك عجز تجارى بين مصر وروسيا حوالى 500 مليون دولار، وهو ما يعتبره البعض مؤشرا على أنه فى حالة استخدام الروبل بديلا للدولار سيكون فى صالح روسيا وليس مصر لأنه سيخلق طلبا عاليا على الروبل من قبل مصر مقابل الطلب الروسى على الجنيه. لكن هناك من يرى أن الفجوة المقدرة بنصف مليار دولار ليست كبيرة وتأثيرا- لو كان لها تأثير- فسيكون على المدى الطويل، ويمكن أن تتلاشى إذا تحقق الهدف من المبادرة وزادت معدلات السياحة الروسية الوافدة إلى مصر، كما أن هناك ميزة أخرى ستنشأ عن هذا الاستخدام، وهى تراجع الطلب على الدولار بقيمة ما كانت تستورده مصر بالدولار من روسيا، وهو ما سيدعم الجنيه أمام الدولار فى السوق المحلى. إلا أن هناك من يرد أيضا على ذلك بأن استخدام الروبل بدلا من الدولار سيقلل من واردات مصر من الدولار بقيمة ما كان ينفقه ال3 ملايين سائح روسى فى مصر، وهو ما سيؤثر سلبا على احتياطى البلاد من الدولار، خصوصا أن السياحة الروسية تمثل 30% من إجمالى السياحة الوافدة إلى مصر. ويرد على ذلك بأن هناك مؤشرات اقتصادية تؤكد غير ذلك، حيث تتوقع الحكومة ارتفاع نسبة النمو الاقتصادى إلى 5%، بالإضافة إلى خطة ترشيد الدعم ورفعه تدريجيا، والتى ستبدأ المرحلة الثانية منها قريبا، وكذلك تراجع أسعار البترول العالمية مما سيقلل من فاتورة استيرادها بالدولار، بالإضافة إلى الحدث الأكبر وهو الإعلان عن اكتشاف ضخم للغاز فى السواحل الشمالية لمصر والذى أعلنت عنه شركة إينى الإيطالية منذ أيام، كل هذا يؤكد أن حاجة مصر من الدولار ستبدأ فى التراجع تدريجيا خلال ال«5 سنوات» المقبلة. المحصلة النهائية من ذلك أنه ورغم ما يظهر من مساوئ نظرية لمثل هذا الإجراء إلا أن منافعه كثيرة أكثر مما يتخيل البعض، فيكفى أنه سيخلص البلدين- ولو نسبيا- من سطوة الدولار الذى يتلاعب باقتصادات العالم، ويكسر احتكاره لأسواق العالم، وسيكون بداية لإجراءات ثانية أخرى مع بلدان أخرى مثل دول الخليج مثلا التى تربطها علاقات تجارية قوية مع مصر مثل السعودية والإمارات، وأغلبها فى صالح مصر (إذا استثنينا مشتقات البترول)، ثم يمكن استخدام ذلك مع الصين أيضا بشرط السيطرة على التعاملات غير الرسمية. وتوقع محسن عادل، المحلل المالى، أن تنعكس خطوة اعتماد الجنيه والروبل فى التعامل التجارى بين روسيا ومصر، فى تحقيق انتعاشة اقتصادية بين البلدين والقضاء على السوق السوداء للعملة فى مصر. وأوضح أن التبادل التجارى بالروبل والجنيه يحل مشكلة العملة فى مصر، إذ يعنى توفير احتياجاتنا بالعملة المحلية بدلاً من الدولار فى شراء الطاقة والقمح، خاصة أننا نستورد أكبر بكثير مما نصدر، مشيرًا إلى أن الصينوروسيا قامتا بذلك الأمر. وقال، إن روسيا تستفيد أيضًا من ذلك فى كسر الحصار الغربى لها وتوجيه ضربة للدولار الأمريكى، كما أن تلك الخطوة تزيد عدد السائحين الروس لمصر والذين بلغ عددهم العام الماضى 3.3 مليون مواطن بعائد 1.98 مليار دولار. وأضاف أن تلك الخطوة ستؤثر على ميزانى المدفوعات والخدمات، خصوصا أن روسيا حاليا تستورد منتجات غذائية من مصر والمغرب والأرجنتين بدلاً من الاتحاد الأوروبى الذى فرض عليها العقوبات بعد الأزمة الأوكرانية. وأشار إلى أن إيرادات السياحة المصرية تأثرت بالأوضاع فى روسيا، خصوصا أن سائحيها يمثلون 30% من الحركة الوافدة لمصر، مشيرا إلى أن الروس توقفوا عن الرحلات السياحية ويتجهون للادخار واقتناء الدولار أو الذهب أو السلع المعمرة لإعادة بيعها حال ارتفاع التضخم، فالاقتصاد الروسى يعتمد على صادرات البترول والسلاح والذهب والقمح، مشيرا إلى أن السائحين الروس بلغوا 3 ملايين سائح من إجمالى 10 ملايين فى عام 2014 الماضى، لافتًا إلى أن حركة السياحة الروسية انخفضت بنسبة كبيرة بسبب ضعف الروبل. وأضاف أن علاقات البلدين الاقتصادية تمتد لعدة قطاعات من سياحة وصناعة وتجارة، حيث شهد العام الماضى ارتفاعا ملموسا لقيمة الصادرات السلعية غير البترولية المصرية لروسيا بنسبة نمو 34% لتسجل 2.5 مليار جنيه، مقارنة بمستويات عام 2013 كما أن هناك قفزة كبيرة فى صادرات الحاصلات الزراعية التى زادت بنسبة 61% والصناعات الغذائية التى ارتفعت ايضا بنسبة 41%. وقال، إن مصر تأمل فى زيادة حجم تعاملاتها مع روسيا الاتحادية ودول الجوار أيضا، إلى جانب استعادة زخم التدفق السياحى الروسى على المقاصد مصر الرئيسية بشرم الشيخ والغردقة ومرسى علم لمستويات ما قبل ثورة 25 يناير. وأكد أن حركة الصادرات المصرية لروسيا بوجه عام فى ارتفاع مستمر رغم تأثر صادراتنا سلبا بارتفاع الدولار مقابل الروبل الروسى، نظرا لارتباط سعر صرف الجنيه بالدولار، مشيرا إلى ضرورة دراسة سبل التغلب على هذه المشكلة التى تحد من تحقيق طفرة كبيرة فى صادرات مصر لروسيا، بما يتناسب مع إمكانيات البلدين الضخمة. وقال، إن السوق الروسية يمكنها أن توفر فرصة ضخمة لمضاعفة صادراتنا السلعية عموما، وبعدة مرات، حيث تتمتع بقوة شرائية كبيرة وحجم واردات ضخم. وكان إلهامى الزيات، رئيس الاتحاد المصرى للغرف السياحية، قال، فى تصريحات عقب الإعلان عن المبادرة. وأضاف أن مصر تدرس قبول الروبل الروسى فى مجال السياحة بدلاً من الدولار، ومعللا ذلك بأن التفكير فى اعتماد الروبل فى السياحة المصرية يأتى لتجنب المشاكل التى تنشأ حالياً مع الدولار، مشيرا إلى أن قرار اعتماد الروبل الروسى كعملة مبادلة ضمن سلة العملات التى يتعامل بها الاقتصاد المصرى لن يكون له تأثير سلبى بشكل مباشر على القطاع السياحى فى مصر.