نجح الحراك الشعبى والشبابى فى لبنان ضد أزمة النفايات - بالرغم من أبعاده الطائفية - فى كشف النفايات السياسية التى تدير المؤسسات فى العالم العربى، فليست النفايات المتراكمة فى الشوارع سوى نتاج للنفايات السياسية المتراكمة خلف المكاتب والتى أصابت الوطن وعرقلت مسيرة التقدم والرخاء قبل أن تزكم النفايات المتراكمة فى الشوارع أنوف البشر. أزمة النفايات التى تغرق فيها مدن عربية مثل القاهرة وبيروت هى انعكاس لأزمة النفايات السياسية التى تعانى منها مؤسسات الدولة، فإذا كانت الأزمة فى لبنان ناجمة عن الصراعات الطائفية التى جعلت كل فصيل يعتبر نفسه دولة داخل الدولة، ينفذ أجندات خارجية ومصالح طائفية على حساب الوطن والمواطنين، ثم يدعى أمام الرأى العام أنه المالك الحصرى لصكوك الوطنية والغفران وأنه من الملائكة والفريق الأخر من الشياطين، حتى انكشف أمرهم و"طلعت ريحتهم" ما دفع المواطنين لرفع شعار "حلوا عنا" باللبنانية أو"ارحلوا عنا" باللهجة المصرية. هذه الأزمة كشفت الكثير من العورات فى تشكيل الحكومات العربية، حيث تعتبر وزارة البيئة فى الدول العربية وزارة- دولة- أى ليست من الوزارات السيادية التى تتمتع بالكثير من المزايا والحقوق والامتيازات والأموال. فكانت وما زالت البيئة من الحقائب التى يتم إنشاؤها أحيانًا لتجميل شكل الحكومة وإظهار الدولة أمام الرأى العام الخارجى أنها تضع البيئه ضمن اهتماماتها، حيث اعتادت الدول العربية على الاهتمام بالوزارات السيادية التى تهيمن على كل شىء وتلتهم الجزء الأكبر من الميزانية، قد يكون هذا الأمر مقبولاً عندما كانت الحياة بكرًا، خالية من التلوث والعشوائيات، ولكن مع زيادة عدد السكان وانتشار العشوائيات ومحاصرة التلوث للإنسان لم تغير الحكومات تفكيرها وتضع البيئة والتطوير الحضارى والتخطيط العمرانى ضمن أولوياتها، وإنما ظلت بنفس تفكيرها العقيم، حتى وجدت الدولة نفسها غارقة فى النفايات وعاجزة عن مواجهة التلوث، كذلك ظلت الحكومة تشاهد الترهل فى النظام الإدارى، دون أن تحرك ساكنًا، حتى أصبح الترهل الإدارى "بعبع" وجدت الدولة نفسها غير قادرة على مواجهته. فكانت بعض الحكومات تنشئ وزارة للتنمية المحلية ثم يتم تغيرها إلى وزارة الإدارة المحلية فى حكومة أخرى وإلغائها فى حالة ثالثة وهكذا، ما يؤكد أن الحكومات كانت تعمل بالأمزجة والأهواء بلا تخطيط أو إستراتيجيات. للأسف ظلت الحقائب غير السيادية يتم إنشاؤها فى كثير من الحكومات المتعاقبة إرضاء لبعض الأشخاص وإعطائهم نوع من "البرستيج" فى المجتمع، وليس وفق قناعات وخطط إستراتيجية لعلاج الأزمات ومواجهة المشكلات، لتبقى النفايات السياسية فى المؤسسات والوزارات والأحزاب هى السبب الرئيسى فى إغراق الشوارع بالنفايات. وبالرغم من كل هذه الأزمات ما زالت الحكومات غير مدركة لأهمية تلك الحقائب الوزارية، ولم تتعلم من الدول المتقدمة، فعندما زار وفد من الاتحاد الأوروبى مصر فى مطلع العام الجارى لتنفيذ مشروع الصرف الصحى فى قرى مركز مطوبس بكفر الشيخ بقيمة 6 مليارات جنيه سأل الجميع لماذا تفعل أوروبا ذلك؟ ومقابل ماذا تدفع هذه الأموال؟ كانت الإجابة واضحة، أوروبا تبذل هذه الجهود وتدفع تلك الأموال حتى لايمتد التلوث إليها!.