هل فكر وزير الداخلية أن يفاجئ العاملين فى مصلحة الأحوال المدنية بزيارة ليطلع بنفسه على الكيفية التى يتعاملون بها مع قطاع كبير من الجمهور المصرى المتردد على المصلحة، سواء فى مقرها الرئيسى بالعباسية أو فى المحافظات، ويشاهد بنفسه كرامة المواطنين المهدرة على أبواب وشبابيك مكاتب السجل المدنى، والبيروقراطية اللعينة التى تسيطر على أداء هذه المصلحة. ليس لدى إحصائية بعدد المترددين على أفرع الأحوال المدنية فى المحافظات، لكن زيارة وحيدة لأى من هذه المكاتب سيخيل لك أن مصر كلها تقف أمام السجل المدنى لاستخراج بطاقة أو شهادة ميلاد أو قيد عائلى أو تعديل بيانات، فالطوابير طويلة ولا آخر لها إذا وجدت الطوابير والنظام من أساسه، لأن التدافع والهرجلة هما المسيطران على العمل فى هذه المكاتب، دون أى رقيب من أحد. لا ألوم العاملين فى المصلحة سواء كانوا ضباطا أو موظفين مدنيين، لأنهم محكمون بإجراءات ليس أمامهم سوى تنفيذها، فتستيف الأوراق من السمات الأساسية للدولة المصرية العميقة، حتى ونحن نتحدث عن الحكومة الإلكترونية، التى تتوافر من خلالها كل البيانات المطلوبة لدى الحكومة أو مصلحة الأحوال المدنية، ولا داعى للأوراق الكثيرة التى كنا نضطر لاصطحابها معنا فى رحلة السجل المدنى لاستخراج قيد عائلى أو غيره من الخدمات التى تقدمها مصلحة الأحوال المدنية، لكن يبدو أن مفهوم الحكومة الإلكترونية ما زال منقوصاً لدينا، فعلى سبيل المثال حينما ترغب فى الإبلاغ عن وفاة قريب لك خارج مصر، فلابد أن ترفق أوراقك بشهادة ميلاد إلكترونية، دون أن تعرف السبب فى ذلك، فبطاقة المتوفى أو جواز سفره موجود، لكن كله كوم وشهادة الميلاد كوم تانى خالص. معاناة من يترددون على مصلحة الأحوال المدنية خاصة فى مكتبها الرئيسى بالعباسية ليست وليدة اليوم، فهى سمة مستمرة معها منذ فترة، وستظل لصيقة بها، إلى أن تقرر الحكومة أنه لا حاجة لهذه الطوابير وللإجراءات البيروقراطية التى لا طائل من ورائها سوى تطفيش المواطنين، وتعترف الحكومة أن الحل فى أن ينهى كل مواطن أوراقه وما يحتاجه إلكترونياً، وهو فى منزله أو عمله، وإلى أن تقرر الحكومة ذلك، فإن وزير الداخلية عليه مهمة غاية فى الأهمية وهى أن يعيد هيكلة هذه المصلحة ويجدد الدماء فيها ويقلل من الإجراءات البيروقراطية، بمعنى أن تتحول المصلحة إلى إدارة لخدمة المواطنين وليس لبهدلتهم.