أعود من إجازتى السنوية منتعشاً أنظر بوردية لكل الأشياء من حولى لكن يلفت انتباهى ذلك الهدوء غير العادى الذى يسيطر على المكان تطالعنى همهمات غير واضحة أقف متجمداً فى مكانى.. أنتظره أبحث بعينى عنه أشعر أن هذا الهدوء وهذه اللمزات تتعلق به يهرول إلى الصول محمد وقبل أن اسأله عنه يزيح ستار الغموض عن غيابه ويخبرنى أن الصول فتحى قرر أن يسوى معاشه ويترك الخدمة أسقط جسدى على كرسى مكتبى.. وأنا مذهول لكن ذهولى لم يستمر كثيراً فقد أفرج الصول محمد عن حقيقة ما حدث.. ابنته الوحيدة انتحرت!! كنت أعرفها من عشقه لها لا يمر يوم إلا ويحكى لى عنها. أذكر أننى حضرت يوم عرسها.. كم كانت بهية مشرقة القسمات، تداعب ضحكاتها كل العيون التى تراها! يقبلها فتحى قبلة حنونة كلما مر بجوار مجلسها يبتهل بنظراته الحائرة فستان زفافها.. فيبكى فرحاً لفرحتها وشوقاً مسبقاً لفراقها أعجبنى يومها هذا التعلق الخرافى بين أب وابنته وتمنيت أن يكون حالى فى يوم من الأيام قبل أن أعرف تفاصيل ما حدث أشفقت عليه تخيلت نفسى مكانه فلم أستطع استيعاب مشهد جسدها وهو مسجى بلا نبض ولا حياة أناديها فلا يخرج من فمها هواء الكلمات عندما تجيبنى (نعم). طلبت من الصول محمد أن يحضر لى عنوان فتحى فلا مفر من رؤيته فهو لامحالة فى حاجة إلى يد تمسح عنه عذابات الفراق الموجع. قطعت مشوارى إلى بيته فى ساعة.. وعندما وصلت وجدته مذهولا يحملق فى صورتها يحتضن ملابسها المحترقة وبقايا لحمها المتفحم تلتصق بتلك الملابس.. عرفت أنها أشعلت فى نفسها النار بعدما اكتشفت خيانة زوجها لها.. هذا ما قالته الأوراق الرسمية، لكننى شممت رائحة غموض وتلفيق دفعنى إلى قراءة ورق التحقيقات مئات المرات.. سألت الجيران والأصدقاء عن (رحاب) فتشت فى حاجاتها الخاصة. الجميع قال إنها مرحة المعشر رقيقة الكلمات.. وأخيراً طلبت استدعاء عاصم زوج رحاب نظراته المتحفزة تريد الهروب من حصارى تتلون كلماته بلون الكذب الذى استشعرته من تعليق أوجزه عن رحاب (كم كانت كئيبة وتشك فى كل شىء) وظل يحكى عن شخصيتها غير السوية وسوء تصرفاتها منذ تزوجها حتى عندما أنجبت ابنهما الوحيد لم تتغير بل ازدادت سوءاً ونصحها كثيراً أن تذهب إلى طبيب نفسى حتى استجابت.. وأخرج من جيبه روشته باسمها لطبيب نفسى واصفاً فيها بعض الأدوية.. قالها ونبرته قاسية (كنت أعرف أن نهايتها ستكون الانتحار).. تركته يرحل بعد أن سجلت اسم الطبيب النفسى وتليفونه واليقين يمتلكنى أن هناك سراً يخفيه.. اتصلت بالطبيب وحددت موعدا لأسمع منه حالة رحاب بالتفصيل.. رحاب لم تكن مريضة بل زوجها.. كان شخصاً سادى الأفعال لا يهدأ إلا إذا انهال عليها ضربا.. حاولت كثيراً أن تجعله يذهب إلى الطبيب، لكنه رفض، ولهذا قررت أن تعالجه بطريقتها لأنها كانت تحبه فاتفقت مع الطبيب أن تحكى له كل شىء وهو يصف الدواء.. هذه الروشتة كتبت لعاصم وليس رحاب.. هكذا اعترف الطبيب الشاب كانت تعطيه الدواء بدون أن يعرف.. فى طعام أو شراب!! تلبستنى حالة من الشفافية بعد تجميع كل الخيوط.. وأرسلت أمر استدعاء لعاصم هذه المرة للقبض عليه.. اعتصرته فانهار واعترف.. كانت تريد أن تقتلنى.. تضع لى السموم فى طعامى.. تدعى مرضى وهى المريضة فسكبت عليها جالونا من البنزين وأشعلت النار فيها.. أخذت ابنى الوحيد ورحلت.. تركتها تحترق وحيدة علها تتطهر من جرائمها..