لا أعرف حقيقة لماذا انتظرنا القنوات الفضائية حتى تضع "خطتها البرامجية" فى اللحظات الأخيرة، وكأننا على أعتاب حرب لن تهدأ رحاها حتى اليوم الأخير من الشهر الفضيل.. لا أعرف لماذا الانتظار إذا كانت كل القنوات ضربت بالمواعيد والخرائط عرض الحائط.. لا يعنيهم المشاهد.. لا يقدرون قيمة أى عمل فنى، فالصوت الأعلى للإعلانات ولا شىء يدخل المعادلة سوى الإعلان وعوائده. يجلس المتفرج الذى أرهق نفسه فى عمل جدول مشاهدة الأعمال التى يرغب فى متابعتها، وهو مدرك تمامًا أن مسلسله المفضل سيبدأ فى ال8 مثلًا، ثم يفاجأ بالمسلسل يبدأ فى ال9، وتحول الأمر فى كل الأعمال دون أى استثناءات، إلى إعلانات متواصلة، ثم فواصل درامية.. فزمن الحلقة الذى يصل الى 30 أو 40 دقيقة على أقصى تقدير، يمتد مع الإعلانات ليصل إلى ساعتين أو ساعتين إلا ربع.. ورغم أن هناك قواعد منظمة لعرض الإعلانات بالمواد الدرامية والبرامجية، حيث من المفترض أن يعرض بعد كل ربع ساعة درامية 4 دقائق إعلانية، إلا أن كل ذلك لا يهم، فالقواعد لا تعنى أحد ولا تشغل بال حتى المنتجين والفنانين والمخرجين أنفسهم. وفى الماضى كنا نشهد خناقات مستمرة لصناع الدراما وكبار النجوم، الذين كان بعضهم يرى أن كثرة المواد الإعلانية يعد إساءة للعمل الفنى، خصوصا أنها تمنع الاسترسال فى المشاهدة، والتواصل بين المتفرج والعمل. والمفارقة أن هذا الكلام كان فى الوقت الذى يتم فيه عرض الإعلانات فى الفواصل بمعدل 3 دقائق فقط، ولكن ما يحدث الآن يعد إهانة بكل المقاييس لصناع الدراما وجهودهم التى يبذلونها، فالبعض منهم يعمل لمدة 18 ساعة متواصلة من أجل الانتهاء من التصوير، وأيضًا استهتار بالمتفرج، فالأصل أن القنوات تعمل لأجل المشاهد ولكن يبدو أننا فى زمن تداخلت فيه كل المعايير ولم يعد هناك قواعد منظمة لأى شىء.. فعلى طريقة الإعلان الشهير الذى ينسى فيه المواطن عمر ابنه من كثرة العمل خارج المنزل، أصبح المشاهد هو أيضًا ينسى اسم المسلسل وأحداثه، بسبب طول فترة الفواصل الإعلانية.. وهو ما يدفع الكثيرين إلى الهروب من جحيم الفضائيات إلى جنة المشاهدة على "يوتيوب". فى ظنى أن غياب القوانين المنظمة للإعلام، وتحكم الإعلانات فى كل شىء هو السبب، حتى أن بعض النجوم أنفسهم أصابهم هوس الإعلانات، حيث يتباهى هؤلاء بأن أعمالهم يعرض عليها أكبر نسبة إعلانات. بالطبع أنا لست ضد الإعلان ولا وجوده، ولا ضد تباهى أى فنان بأن عمله يحقق أكبر عائد إعلانى، ولكن ضد طغيان الإعلان.. والأهم هو كيفية توزيع المادة الإعلانية بما لا يأخذ من قيمة المنتج الفنى.. لأنه لا يجوز وبعد كل هذا العمل الدأوب من جانب صناع الدراما، أن يتركوا أعمالهم تتحول إلى مجرد فواصل فى ساعات متواصلة من الإعلانات، لدرجة أن حتى تترات الأعمال أصبحت لا تعرض فلا شىء يعلو فوق صوت الإعلان.