"الصحوة الدينية فى العالم العربى هى رد فعل لأخطاء غربية" هكذا يرجع الفيلسوف الفرنسى ريجيس دوبريه، ما يحدث فى عالمنا العربى فى السنوات الأخيرة، وعنده على سبيل المثال والدعابة أنه "كلما أغدقنا على بلد كميات أكبر من الكوكاكولا، استيقظت المشاعر الدينية الأصولية بشكل أعمق، بمعنى أن الإمعان فى فرض الثقافة الغربية على بلد ما، غالبا ما ينتج ردود فعل أكثر أصولية. وبعد أزمة الرسوم الكاريكاتيرية الدانمركية المسيئة للإسلام والمسلمين، وجه بن لادن رسالة لمن سماهم "أصحاب الذكاء فى الاتحاد الأوروبي" تتضمن تساؤلات وتحميلا للمسئولية، ورد "دوبريه" على بن لادن عبر صفحات "اللوموند" الفرنسية، قائلا أوروبا لم تفعل شيئا فى الشرق سوى المزيد من التوغل فى اتجاه صدام الحضارات مع التنديد به، وسوف يؤدى هذا التدخل مثل كل احتلال أجنبى بابتزازاته وتجاوزاته، وضحاياه المدنيين، إلى انتفاضة وطنية وقبلية". ويؤكد "دوبريه" أن حرية التعبير ليست بلا حدود، وفى كل الثقافات عناصر من قدسية، ولتجنب الوقوع بين أيدى "مجانين الله" من الأصوليين فلا بد من الاعتدال والحصافة واحترام الآخر حتى لا تنمو الأصولية من جديد. وفى كتابه "حياة وموت الصورة.. قصة النظرة للغرب أنه ليس هناك من مجتمع لا يؤمن بالله المتعالى كلى القوة، وأنه لا يمكن لجماعة ما أن تحدد نفسها، إلا من خلال إحالة على «المتعالى"، أما فى كتابه «الأنوار التى تعمى»، فيتناول قضية العلمانية الغربية، وكيف أن الغرب ذهب فى شطحاته إلى أقصى اليسار بينما دول أخرى مضت إلى الإغراق فى اليمين الدينى المسيحى كما فى الولاياتالمتحدة الأميركية. وفى مقدمة الكتاب يلفت "دوبريه" إلى أنه تجرى عملية تزييف وتضليل كبيرة ضد أفكار عصر التنوير، ثم إن شعارات كبيرة يتم رفعها باسم "العلم والعدالة والحرية"يكفى التمعن فيها عن قرب كى يراها المرء على حقيقتها أنها مجرد شعارات. ويؤكد "دوبريه" "أننا فى الغرب تنقصنا المنهجية الموازنة التى تعرف كيف تصالح بين المتضادات، فنحن لا نريد عقلانية جافة سطحية تستبعد الدين كليا بحجة أنه ظلاميات، ولا نريد أصولية متعصبة تكفر الآخرين، وتدعو إلى ذبحهم"، وعليه فإن دراسة الدين أو الاهتمام به لا يعنى أنك أصبحت شيخا أصوليا متعصبا مكشرا عن أسنانك، فلماذا تمنعنا العلمانية المتطرفة من تدريس الدين فى المدارس كظاهرة ثقافية وتاريخية كبرى؟. ويوضح "دوبريه" أن الشعور الدينى يستيقظ عادة ليملأ فراغا أحدثه غياب الإحساس بالمواطنة، أو فقدان القناعة بجدوى المجتمعات المدنية، أو فشل العلمانيين فى تلبية ما يطمحون إليه. عندما يحدث فراغ بهذا الحجم من الطبيعى أن يقتحم الفكر الدينى الفراغ ليملأه. موضوعات متعلقة.. محمد عماره: "طه حسين" تاب وعاد إلى الإسلام .. وعمار على حسن: كلام "فارغ"