الأيديولوجية التي قامت عليها دولة إسرائيل الصهيونية, والشكوك حول مصداقيتها, واستغلالها لشتي الوسائل من الدين إلي الهولوكوست إلي عداء السامية. وذلك للتغطية علي الجرائم المرتكبة في حق الفلسطينيين.. كلها قضايا استعرضها كاتب فرنسي مناضل لحقوق الإنسان وله باع طويل في مناهضة مايقع علي عاتق الأقليات من ظلم لدرجة حمل السلاح من أجل الدفاع عنهم. فمن خلال رسالة كتبها الكاتب والمفكر الفرنسي ريجيس دوبريه في160 صفحة, وجهها إلي صديقه سفير إسرائيل السابق بفرنسا ايلي برنافي وهو المتضامن مع الفلسطينيين ألقي باللوم علي السياسة الإسرائيلية في عرقلة السلام وشدد علي أن خلاص إسرائيل الحقيقي والمرجو لن يأتي إلا بقيام الدولة الفلسطينية. ففي كتاب رسالة إلي صديقي الإسرائيلي الصادر لتوه في باريس يبدأ ريجيس دبريه بدباجة اعتذارات ليستنهض لدي القارئ ومجازا لدي صديقه الإسرائيلي برنافي متابعة متفهمة لفصول الكتاب السبعة مؤكدا حسن نيته وتقديره للبعد الاخلاقي لمشروع إسرائيل. ويحاول دوبريه من خلال الكتاب المقارنة بين الشجاعة في قيام الدولة العبرية وضرورة إعادة النظر في الحقيقة الراهنة, ومن حلم الصهيونية المثالي الأول إلي انزلاق الحلم إلي هاوية التعصب الديني, وسيطرة الجماعات المتطرفة, ومن المشروع الأول الجامع للأخلاقيات المختلفة والمتباينة إلي السقوط المتدرج في العنصرية ضد الفلسطينيين, وحتي ضد العرب الإسرائيليين, كما يستعرض الكاتب البعد الصهيوني, المحرقة, معاداة السامية, وإسرائيل المزدوجة, وخطورة الانطوائية. استهل افتتاحيته بإهداء احتفي فيه بدانيال بارنبوم, مؤسس الأوركسترا الإسرائيلية العربية, الذي يتمتع ببعد النظر حيث أسس دانيال بارنبوم ديوان الشرق والغرب الذي جاب أكثر من دولة أوروبية, وعالمية بما فيها إسرائيل, للدفاع عن التقارب الفلسطيني الإسرائيلي. والكتاب يمنح القضية الفلسطينية بعدا ثقافيا يخلخل الكيان الصهيوني في فرنسا وخارجها, ويركز علي الشعور الفوقي التبريري للنرجسية اليهودية التي ترفع شعار تفوق العرق اليهودي باعتباره العرق المختار من الله. يتوقف دوبريه في الفصل الرابع عند ذاكرة المحارق وأدائها في استنهاض التراث الانساني لتجميع المسحوقين من اليهود ثم تحولها إلي أداة في ماكينات النفعية السياسية. وفي فصل آخر يناقش دوبريه خطر التوحد أي عمي إسرائيل عن الحقائق واستمرار مسيرتها في قوة البطش فيما يدفعها علي الأرجح إلي الهاوية. وفي الفصل قبل الأخير, يستعرض الكاتب التغيرات والتحويلات العالمية التي تنسحب شيئا فشيئا من تحت أقدام الإسرائيليين, فالعالم الجديد الاحادي القوي في أولويات مصالحه لم يعد يري في إسرائيل حبيبته الوحيدة في الشرق وفي موازاة ذلك لم يعد السلوك الإسرائيلي يمثل القيم والافكار الغربية فلماذا تستمر هذه المثاليات للدفاع الأعمي عنه ويخلص الكتاب إلي توصيف إسرائيل بخطين تاركا الأمل في أحدهما. وبالرغم من كم الانتقادات للسياسة الصهيونية, يأتي رد صديقه برنافي بالموافقة علي مجمل الرسالة بانتقاداتها, وجاءت ردود الفعل علي كتاب رسالة إلي صديق إسرائيلي مذهلة في عنفها من جانب من دأبوا علي الدفاع عن السياسة الإسرائيلية مهما كانت, حيث حرصت الجوقة المعهودة من كلود لانزمان إلي بيرنار هنري ليفي, وأندريه غلوكسمان وآخرين علي اتهام دوبريه بالمعاداة البدائية لإسرائيل, ومن الواضح ان مجمل هذه الردود بدت وكأنها لم تقرأ الكتاب. ويري إيلي بارنافي أن إسرائيل لها كيانان, كيان يعتنقه شخصيا ومتوجه نحو العالم, وهو العلماني, وكيان آخر وثني متمحور حول أرض مؤلهة وسجينة معتقدات عتيقة تستخلص منها إيديولوجية حديثة, الأمر الذي يعده غريبا حتي عن الدين اليهودي الكلاسيكي. ويقول ريجيس دوبريه الطامح في ترجمة كتابه إلي العربية علي غرار مؤلفات روجيه جارودي, ان الخطر اليوم, هو أنه إذا استمرت إسرائيل في الاتجاه نحو الغرب, فإن الشرق الإسلامي يدير ظهره لإسرائيل وللغرب, إن شركاء إسرائيل الذين أبرمت معهم إسرائيل سلاما باردا مثل مصر والأردن يحجبون في العمق مجتمعات معادية أكثر فأكثر لإسرائيل. حتي تركيا, الحليف العسكري والسياسي لإسرائيل, يبتعد بدوره عنها, ويري الكاتب أن الاعتماد علي باراك أوباما للضغط علي إسرائيل يبقي مجرد وهم, وإن الخرائط الجغرافية التي تعدها بتأن الأممالمتحدة منذ سنوات تظهر سياسة القضم للأراضي الفلسطينية وانتشار بقع المستعمرات علي مدي واسع, الشيء الذي غير الملامح الجغرافية لأرض فلسطين, وطرقها ومعالمها, إلي درجة أن بعض الشركات شطبت خارطة فلسطين من دلائلها السياحية لتضع مكانها الابتكارات العمرانية الإسرائيلية, موضحا إن أوروبا التي تتعرض, باستخفاف هي وبعثاتها الدبلوماسية, والانسانية والحقوقية للإهانة من قبل إسرائيل, ولاتقدر علي الرد علي تصرفات تلك الهمجية وهذه الاهانات. ولم تسلم فرنسا من الانتقادات اللاذعة, حيث يتهمها ريجيس ضمنيا بازدواجية المعايير في التعامل مع الفرنسيين اليهود الذين اعتبرأنهم مدللو فرنسا مقارنة بالفرنسيين العرب المسلمين. فيقول ريجيس: في الوقت الذي لا تعترف الجمهورية بأي معتقد أو ديانة, إلا أنها عمليا خلقت أفضلية تجاه أماكن العبادة والحفلات الدينية, فعند نهاية الصيام اليهودي كيبور مثلا, يتسابق العديد من الوزراء وممثلي المعارضة نحو الكنيس الأكبر لباريس, غير أن الأعياد المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية, والإسلامية بفرنسا لاتحظي نهائيا بنفس الاهتمام. ولم يغفل الكاتب الاشارة إلي الفوبيا الراسخة في فرنسا, والتي تتجلي في التنديد بالمآذن وتستثني معابد اليهود, مبديا استغرابا إلي ما آلت إليه الأمور بحيث إن كلمة, العرب, أصبحت اليوم بمثابة سبة, كما أن النقاشات التافهة حول الهوية الوطنية ركزت علي موضوع وحيد من منطلق الاستياء الفرنسي من النقاب وليس الكيبا( الطاقية اليهودية). ولم يغفل المفكر والفيلسوف ريجيس دوبريه الإشارة في كتابه إلي مايعانيه الفلسطينيون من المسلمين والمسيحيين من الفقر أوالعيش تحت خط الفقر, منددا بطريقة الإذلال التي يتعاملون بها, بكونه شاهد عيان ومن منطلق ما راءه بعينه علي أرض الواقع في الأراضي المحتلة, حيث الآلاف المؤلفة من البشر ينتظرون منذ الصباح الباكر لتفتح لهم إسرائيل الطرقات والحدود للمرور عبر الجدار الفاصل, ويضيف دوبريه: إذا كانت البربرية تتحكم بالعالم فبأي معجزة يمكن أن يكون قد نجا الضحايا اليهود من أكبر عملية بربرية. الواقع ان مايثيره الكتاب من تداعيات وهزة مدوية بفرنسا مازالت في خطوتها الأولي فلم يتعد تاريخ صدوره أسبوعا, ان دوبريه أقدم علي كتابه وهو علي يقين بما ينتظره من انتقادات من الإسرائيليين أو الموالين لها فهو يعلم جيدا قانون معاداة السامية الذي طال الكثير من الكتاب والمثقفين أو الفنانين الذين تجرأوا من قبله بمثل مايشابه هذه المقولات.