عندما حطت السفينة علي جزيرة الذهب والياقوت.. تردد الفارس فى أن يضع قدمه علي الجزيرة.. خشى أن يخونه قلبه.. فيغرق ولا يعود إلي موطنه سالما .. نظر إلى الأمواج يستلهم منها الشجاعة فأخذته فى مدها وجزرها بعيداً إلي حيث البداية.. إلي اللحظة التى كان يسمع فيها إعلان الملك.. سأترك حكم هذه الأرض لرجل يأتى لى بالياقوتة العظيمة المدفونة تحت أكبر شجرة فى جزيرة الذهب والياقوت .. سيحكمكم إن عاد بها حيّاً يرزق.. لكن لديه عقبة واحدة فقط.. أن هذه الجزيرة مسحورة.. تُغرق من يحط عليها وفى قلبه حقد أو طمع.. تذكر نظرات استجداء الفقراء ومظاهر الذل علي أعتاقهم.. ليتقدم إلي المغامرة.. ومن غيرهم أرغمه.. علي التضحية بحياته والاتجاه نحو المجهول .. أبحر بسفينته وحيدا.. فقد كان يثق فى قلبه كثيرا.. يثق فيما رباه عليه .. وماذا عن الآخرين؟.. اطلعوا علي قلوبهم.. فرأوا الشرط يتنافي مع نبضهم.. فتيقنوا أن لا فرار من الغرق .. الشمس فى كبد السماء متجمدة كمشاعر خائف.. ترقب اللحظات الاخيرة لهذا الفارس .. من غيرهم أرغمه.. يراهم فى انعكاس كل شىء يسمعهم فى ارتطام الأمواج وغناء العصافير.. ينتظرون عودته.. ليعطيهم ما كان لهم وحرموا منه.. دخل الجزيرة متوكلاً آملاً.. يُسارع الخُطي بحثاً عن الشجرة العظيمة.. عن الياقوتة .. لا شىء .. يعيد البحث لكن لا جدوي ولا شىء.. حتى نفذ من عنده الزاد.. فقرر أن يتوقف عن البحث وان يعود إلي وطنٍ ينتظر الياقوته بلا ياقوته.. يفرح عندما تراوده الأفكار أن شهماً قد سبقه اليها فيطمئن قلبه وينشرح صدره بسعادة أهله بالرجل النبيل ..فى الضفة الآخري لم يكن فى انتظاره أحد.. لم يكونوا ليصدقوا فكرة عودته حيا.. حتي لاحت فى الأفق سارية سفينته.. ليسعد أهل القرية بعودة المرجو سالما .. فى خضم الفرح والتحيات.. سأله أحد الأهالى عن الياقوته كيف هى وكيف وجدها ..فأجابه بصوت تردد بحزن صداه "لم أجد الياقوتة".. قسوة الكلمات لم ترحم أحدا.. لم تترفق بالعجزة ولا الصغار. إذن لم عُدت ؟.. عدت لتكشف لنا عورة اليأس المُخبئ فى قلوبنا.. لتفضح العجز الذى نخبئه فى أراوحنا .. عُدتَ لتقطع لنا أسباب الرجاء وتطبع المستحيل على عقولنا .. تقدم الحاكم نحو الفارس.. وهو يقول.. أهكذا تتكلمون مع حاكمكم الجديد..؟ أنهم لا يخافون من حضرتك ولا يترددون فى محاسبتك .. ستكون لهم خير أمين.. أمين على مصالحهم.. على أحلامهم.. على مدخراتهم .. لكنه لم يجد الياقوتة.. هكذا صدع بالصوت أحد الواقفين .. أجابه الملك كيف سيجدها وهى فى الأصل غير موجودة .. الجزيرة المسحورة والياقوته العظيمة والشجرة الكبيرة ما كانت إلا اختبار لما فى الصدور .. لو كان خائنا لكشفه الخوف وما أبحر نحو المجهول لو كان كاذبا لاحتال علينا بقصة.. ولجعلنا نقدس وجوده الميمون لكنه الأمين بقلب أثمن من كل الياقوت.