سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات الصباحية السبت 4 مايو 2024    المالية: الانتهاء من إعداد وثيقة السياسات الضريبية المقترحة لمصر    إزالة فورية لحالتي تعد بالبناء المخالف في التل الكبير بالإسماعيلية    بلينكن: حماس عقبة بين سكان غزة ووقف إطلاق النار واجتياح رفح أضراره تتجاوز حدود المقبول    الحوثيون يعلنون بدء المرحلة الرابعة من التصعيد ضد إسرائيل    لاعبو فريق هولندي يتبرعون برواتبهم لإنقاذ النادي    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام وولفرهامبتون    نظراً لارتفاع الأمواج.. الأرصاد توجه تحذير للمواطنين    إصابة 15 شخصًا في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    بعدما راسل "ناسا"، جزائري يهدي عروسه نجمة في السماء يثير ضجة كبيرة (فيديو)    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم السبت 4 مايو    اليوم، تطبيق أسعار سيارات ميتسوبيشي الجديدة في مصر    تفاصيل التحقيقات مع 5 متهمين بواقعة قتل «طفل شبرا الخيمة»    الداخلية توجه رسالة للأجانب المقيمين في مصر.. ما هي؟    إسكان النواب: إخلاء سبيل المحبوس على ذمة مخالفة البناء حال تقديم طلب التصالح    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عرض لرواية رؤى
نشر في الفجر يوم 27 - 11 - 2011


عرض للرواية
رواية رؤى
تأليف الاديبة والرواية التونسية زينب جويلي
عدد الصفحات 114


رواية فلسفية تغوص في بحر الوجودية من تقديم الدكتور محمد جويلي دكتور جامعي وباحث اجتماعي اديب وناقد
وهي بحث في وجودية الانسان وكينونته عبر شخصية رؤى بطلة الرواية التي طرحت مسالة قيمة ومكانة المراة الفاعلة في المجتمع بمنظور مغاير وثمنت القيم النبيلة في نقد شبه خفي يساير كامل الرواية اي نقد للمجتمع الشرقي ومن خلاله نداء خفي للتماسك وللنزعة الاصلاحية ونبذ التفكك الاجتماعي
تراوحت القصة بين عالم الواقع والخيال عبر ادراج عنصر الحلم الرمز الذي راود البطلة في كامل الرواية بشكل متكرر والذي دارت حوله احداث الرواية في قصر عتيق كانت فيه الاميرة رؤى حاكمة و قد كانت الرواية جد ثرية بالشخصيات الرئيسية والثانوية مما اضفى عليها بعضا من الغموض والتشويق ساهم في بناء قصصي متماسك يخفي وراءه قضايا ثرية جديرة بالدرس
اما على المستوى اللغوي بدت التعابير جد ثرية تزخر بتناسق وحنكة في الاشتغال على المفردات لجعل النص اكثر رونقا وجمالا ولجعله اشبه بقطعة فنية تشد القارئ لاكتشاف الرموز المبهمة التي تدفع به لينهل المزيد والمزيد ويغوص في ابعاد الرواية ليستنبط العبر المستوحاة وهو يترشف لذة القراءة.
افتتحت الرواية بشيء من العموض والصمت لتسير بنا نحو قلق وحيرة يصعدان في النسق القصصي شيئا فشيئا الى ان وصلنا الى هدوء في الاحداث واستقرار في النسق القصصي اي ان البنية كانت دائرية من الهدوء الى الاضطراب الى استعادة الهدوء
مقتطفات:
1_
من انا؟
قد يسعى الإنسان في هذا الكون باحثا عن شيء ما عن حقيقة ما، عن ما يمكن أن يحدث في ذاته ذاك التوازن النفسي وتلك النظرة الحالمة نحو مستقبل مبهم وقد ينور الأمل ظلمته وقد تكسوه الظلمة ليغدوا سوادا حالكا.
عاشت رؤى ممزقة بين هذا وذاك. نشأت ميالة للوحدة،ترقب ما يحدث عن كثب،منزوية،معكرة الصفو،متقلبة حزينة دائمة السؤال من أنا ؟ و لماذا أحيا؟
رؤى أميرة غنية فقيرة،سعيدة تعيسة صامتة صارخة،هي سر منطو على ذاته،جولة في عالم المجهول،تبني عالمها لذاتها تلج دواخل عالم شيدته بذاتها.
إن بحثت يوما عن عالمها، عن ترابه و سمائه، عن نسيمه وصحرائه و مائه، عن جباله و أشواكه، ستكل ستمل البحث لكنك لن تجد عالم "رؤى" ولن تجده! فجوادها ما هو بجوادك وٳسم عالمها ما هو شبيه بعالمك ثم معالم عالمها ليست هي ذاتها خاصتك، فهي سيدة لذاتها، لعالمها، لمملكتها، لعالم المثالية، هكذا ٳختارت أن تسميه " عالم المثل والمثالية. "
جلست تسرح بصرها نحو الأفق البنفسجي على ربوة في سفح الجبل سكون قاتل، صمت كصمت القبور، كساء أخضر يغطي المكان، كانت وحيدة، هبات نسيم باردة تلفح الأغصان والأعشاب فتتساقط قطرات الندى من أعلاها في سمفونية حالمة محدثة صدى موقعا ينساب بين قمم الجبل كما تنساب الطقوس داخل معبد، "رؤى" تصغي دون حراك كأنما تستقي غذاء لروحها المتعطشة من تلك السمفونية المقدسة. كأنها تقوم بطقوسها في معبدها الصامت، استفاقت من سباتها وخطت خطوات، كانت تلتقط الحصى وتلقي به في جدول المياه، فتحدث هذه الأخيرة اهتزازات وتموجات كتلك الأفكار المتموجة برأسها.
2_
أين قيمنا و مبادؤنا؟ أين عروبتنا و أصالتنا؟ "
- " غريبة أنت! تتحدثين عن العروبة وعن القيم و الأصالة وأنت أكثر الناس تمرّدا عليها، أنت الواسعة العلوم قديمها وحديثها، أنت التي ترنو ذاتك دوما ٳلى التمدن والحضارة فكيف تنادين بروح العروبة والأصالة، بزمن الخيام والجمال والصحراء؟ "
- " ٳن كنت تحدثني عن العلم والاختراعات فالتفت ٳلى الحضارة الغربية حديثة العهد ثم حدثني عن الرازي وابن سينا وغيرهم، ٳنّ جذورنا ضاربة في التاريخ، حضارتنا مجيدة عريقة، فٳن تعلمت وأردت أن أكون كما يجب أن تكون المرأة الشرقية هذا لا يعني أنني أتمرّد على روح الأصالة والعروبة. أنا لا أعني الخيام والجمال و الصحراء، أنا أعني أخلاق العربيّ الشّرقيّ ذلك الرجل الذي ينحر حمله ٳكراما للضيف، الذي لا يبخل برقبته للسيف مقابل أن يفي بوعده. ذاك الذي يفدي الناس بروحه حفاظا على قيمه وكرامته، أين غاب كلّ ذلك؟ لم أعد أرى سوى أشباح شرقيين. أين غاب كلّ ذلك؟ فما قيمة الذات ٳذن؟ "
- " كلّ يوم أستغرب أكثر لما تبدين لي من أفكار، ربّما فات الأوان، ومرّت السنون، ولا أحد يعلم من المسؤول، ثم قد لا نجد الجرأة للتعبير. "
- " تلك هي مشكلتنا لا أحد يجرؤ على الكلام لا أحد يعترف بالحقيقة،كلّ منّا يلقي عن كاهله حملا ليضعه على كاهل غيره، لقد غاب الضمير وغابت القيم وغاب الوعي يا ديفون فاندثرت قيم الشرقي فينا. "
- " أي عالم خياليّ تؤسسين يا رؤى!، أرغب في الغوص في أفكارك، أيّ امرأة أنت؟ "
- " أنا امرأة شرقية؟ امرأة شرقية حقّة. مدرسة للحب و الحنان و للوعي أيضا... تربّي أجيالا شرقية عظيمة، تبثّ فيهم الوعي والنضج ولا تعمي أعينهم عن الحقيقة، الحقيقة لحدها، تقضي على اليأس وتبثّ فيهم الأمل، تلك هي أنا يا ديفون.
ودّعت رؤى ديفون وسارت تتعثّر بأطراف ثوبها ثم ارتمت على سريرها لقد كانت تشعر بصداع فضيع كأنّه صراخ الذاكرة يصرع النسيان ليفتك منه بقايا كلمات ونقوش رسمها الزمن بإزميله الذي قضمت الفئران أطرافه ونسج العنكبوت شباكا رثّة حوله...
3_
الحلم
أغمضت " رؤى " عينيها فقادها ملك الموت الأصغر ٳلى عالم الذاكرة في رؤيا خاطفة، غامضة كغموض ليلة حجبت فيها الغيوم نور القمر وامتدّ فيها شبح الظلمة والوحشة الصامتة المرعبة.
هاهي رؤى تتذكّر فتعود بها الذاكرة ويأخذ النسيان ماهو للنسيان فتصرعه الذاكرة وتأخذ ماهو للذاكرة وهي تنتصب بين هذا وذاك كمن ينتظر خطبا ما.
تتذكر و تتذكر وتعود بها الذاكرة سيدة جميلة عظيمة تقتاد فتاة صغيرة تعبران جسرا رثّا حقيرا يعلو واديًا للأفاعي والذئاب تحدّق بهم من الأمام ثم يأتي وحش فيطير لينتشلهما ويلقي بالسيدة فتسقط لتلتهمها الأفاعي حينها يتحوّل الوحش ٳلى ٳنسيّ يحط بباحة قصر أسواره ذهب لكن التعاسة تحدّق به.
من هو الوحش؟ ومن هو الرجل؟ من هي الفتاة؟ ومن هي السيّدة؟ ثم الجسر والأفاعي والذئاب، ما علاقتهم بها؟ لطالما راودها هذا الحلم مذ أصبحت ذاكرتها حبلى بأفكار سجينة تتلوّى من شدّة وطأة حيرة جبّارة تهدم جدران الذاكرة وتحلق في سماء المجهول.
4_
خيّم الصمت على الحجرة وكأنّ اللعنة حلّت بها... الألم يشتدّ بروئ والخزانة تتحرّك، الستائر ترتعد، كل الأشياء تسبح في دوامة رهيبة، ثقل جفناها، فشعرت بالنعاس، ولكنه نعاس كالدوّار، أغمضت عينيها وٳذا الحلم يراودها: جسر رثّ والسيدة تصارع الأفاعي.
فجأة دخل الطبيب، كانت رؤى ملقاة على السرير جثّة هامدة ٳلاّ مِنْ رياح عاتية تطل من داخل نتوء بأنفها وبركان يدوّي وتنفجر بانتظام في صدرها : أنفاس متقطعة، وقلب يخفق ويصرخ صرخة البراري المدوّية يطلب الحقيقة ويثور على جهله.
5_
فتقدمت سيدة في عقدها الرابع نحيفة مديدة القامة، انحني ظهرها بؤسا و شقاء باديين على محياها.أدميت أصابعها وطبع الدهر نقوشا على بشرتها التي باتت سميكة مجعدة كانت تلتفّ بردائها الأسود فتخفي أطراف شعرها الناعم الملتوي بلون الغروب وقد تسللت خصلات منه ٳلى أعلى جبينها كأنّما تصرخ بحثا عن الحقيقة، تقدّم بطاقة هويّة ودليلا ناطقا عن حقيقة عذراء.كانت تضع لثاما على وجهها وتحدّق برؤى، تتأمّلها وصمتت رؤى وصمت الوزير فصمت الحشد الحاضر وصمت القصر كلّه... سكون قاتل... صمت كصمت القبور، ٳنّها الروح المعذبة تثمل من كأس الذات المتمرّدة، من عصارة الأفاعي والذئاب والظلمة على حافّة جسر رثّ.
قالت السيدة بصوتها الأجش المتقطع: " احذري الوحوش والذئاب والأفاعي ٳنّها تجلس هناك بقربك، تحيط بك من كلّ جانب، احذريهم يا رؤى، روح أمّك تطوف معذّبة لتطمئن عليك ولتردع تمرّد الأفاعي التي توصد باب القبو."
ثم غابت وسط الزحام بهدوء كما دخلت.
وسكنت رؤى وتوقف لسانها عن الكلام فالعاصفة تنذر بالهبوب ثم تساءلت:
"من أنا ؟ الحلم؟السيدة، ٳنّها هي؟....استفاق الجميع من غفوتهم فانتصبوا.
6_
" لا أعرف ماذا تخفي هذه السيدة خلفها؟ ولا أعرف من هي؟ لا أريد أن أقامر بحياة شعبي من أجل حلم لطالما راودني، ٳن الدم الذي يغلي بعروقهم هو دم شرقي لا يعترف بالأخطاء ولا يقبلون بسلطان تشوبه شائبة رمز، إن شعبنا يبحث عن الوضوح والاستمرارية، هم لا يرضون ضرير فقأت عينه أو كسرت ساقه أفيرضون بملك يجهل حقيقته، يسعى لإسقاط القناع عن الحقيقة التي يجهل صورتها، ٳن كان يجهل حقيقته فهو يجهل كل الحقائق حتى حقيقتهم! "
- " ولكن ، ماذا عنك؟ "
- " لا يا ديفون! الحاكم الشرقي يجب أن يكون مثاليا وٳلاّ فقد يخسر شعبه، لا أريد أن يتخلى عني شعبي. لطالما أردت بثّ الوعي فيهم وانتشالهم من اليأس والضّياع، لطالما كنت صادقة معهم أرنو بهم نحو الأفضل، سهرت وضحّيت لأجلهم، عوضوني عن حرماني ونهضت بهم إلى الأمام. فمن سيكون لهم من هدى؟ من سيدفع الضيم عنهم يحنبهم الضياع والألم؟ لا أريد لهذا أن يحدث! أريد لشعبي أن يظل خالدا! "
- " ولكن أين كانت تبصر الذئاب والأفاعي؟ ماذا كانت تعني؟ أيّ قبو تتحدّث عنه؟
7_
صمت ديفون عن الكلام ولم يبد حراكا، أخيرا عرف حقيقته من أنا؟ أجاب عن سؤاله، ما قيمة هذا الآن؟ ما مصيره الساعة؟ الوزير أخوه أم أبوه؟ ماذا تكون ياقوتة؟ أمّه أم زوجة أخيه؟ ثم رؤى؟ ما مصيره و رؤى؟ هل هي ابنة أخيه أم حبيبته؟ كل هذه الأسئلة تعصف به، تدوّي كالأمواج في ليلة عاصفة. لقد حطمت قساوة الصخور المرساة وعصفت أمواج مياه التنور بالسفينة.
أصبحت تتقاذفها كأنها لعبة القدر المحتوم. شقت كلمات الوزير جدار الصمت، كان صوته أجش غليظا.
8_
" غريب أمر هذه الحياة! بالأمس كان زواجي منك حلما لا يتعدى الخيال! لكن اليوم غير الأمس! لقد أصبح حقيقة. ليس هذا فقط! أجد نفسي محيرة بين أن أرفض أو أن أقبل! ماذا سأقول الآن؟ ربما قبلت ولكن...
9_
عزيزتي رؤى،
ربّما تكون هذه الكلمات آخر ما سيجمع بيننا لقد تزوجت من ميساء ورحلت ٳلى حيث لا يؤذيك وجودي معها، حلّت اللعنة بحبّنا فأضحى مستحيلا، ثقي أنني لم أخدعك، كنت مكرها عمّا قمت به، لكنّ القدر هو الذي يرسم لنا طريقنا، أكرر لك أسفي.
الوداع الآن.
- ديفون-
أحست بدوار خفيف كانت الأحرف ترقص على صدى أشجانها المتموّجة ثم سقطت مغمى عليها.
كانت الصدمة أقوى من أن تتحمّلها، لقد كان ذلك آخر ما كانت تنتظر حدوثه، لم تتوقع أن يحدث الأمر بهذه السرعة، لم تعد الأرض قادرة على حملها ولا نسمات الهواء الرقيقة قادرة على ملاطفتها، حتّى الزهور باتت موحشة ذابلة، نفخت الروح الشرّيرة سمّها في أنحاء الكون فغدا تلّة صفراء تحتضر، أصبح النجم باهتا و القمر فقد اشعاعه وٳشراقته لوثته الدّماء التي تنزف بغزارة حتّى صفحة المياه بدت مقطبة مجعدة حزينة.
10_
" لست أدافع عنه، هذا حقّه، لا أستطيع ٳجباره عمّا يسبب له التعاسة، ليس الحب بالأنانية، الحب عطف تسامح ٳحساس ورقة، و ليست هذه الكلمات بقادرة على التعريف به. ٳنما هو كلمة عظيمة تخترق الذات وتتجاوز الأنانية والاندفاع، الحب يمثل في أبسط الأشياء في أدنى الحقائق وأعظمها، أشك بأن أحدهم يدرك معناه وقيمته، فتوقفي يا هند! ولا تتمادى في كلماتك الحارقة تلك! فهل ينقلب المقدس ٳلى مدنس في لحظة خاطفة؟ هل ينقلب الحب ٳلى كره؟ لا! لن يكون هذا! "
- " كل يوم أنبهر بك وبنبل مواقفك حتّى لكأنّني ما ربيتك وما عرفتك يوما! دائما تعلمينني أشياء أجهلها. "
- المهم أن تؤمني بها و تطبيقها. "
11_
اتجها صوب التلّة التي كانت تحجب خلفها منظرا ساحرا جميلا بركة جميلة هادئة تصب فيها عين سخية تنبع من أعلى الصخور وخرير المياه يخترق الأشجار التي تدلت أغصانها محيطة بالبركة من كل جانب ناسجة حولها هالة خضراء.
امتزج صوت المياه الموقع بزقزقة العصافير الساحرة في سمفونية صارخة.
كان هناك غزال يشرب ووعل ينظرفي الافق أيضا هربا بمجرد أن أحسّا باقتراب الخطر ناحيتهما.
جلسا على الصخورفي حافة البركة نزعت أسماء خفّها ودلّت ساقيها على صفحة الماء فانعكست صورتهما مجعدة بفعل الحركة فضحكتا، كذلك فعلت ميساء كانت المياه باردة منعشة أدخلت النشوة لقلبها.
- " أخبريني عن حياة القصور والترف، كيف كنت تعيشين في ذاك القصر العظيم؟ "
- " لا أحب حياة القصور! ٳنها حياة باردة، حياة الكذب والنفاق الكل يخاف من ٳظهار مشاعره الحقيقية التي يدفنها في صدره لا تستطيعين أن تتصرفي بحرية. صحيح أنك تحضين بالرعاية و لكنها أشياء لا قيمة لها فكأنك العصفور المحتجز في قصر من المعدن الثمين في ماذا يضره ذلك أو ينفعه؟ "
- " ماذا عن حياتنا أتعجبك طريقتنا في العيش؟ "
- " أحن ٳليها كثيرا لطالما تمنيت أن أحيا في بيئة كهذه، لقد تاقت نفسي كثيرا لها لكنني ما كنت لأتخيل أن حلمي هذا سيتحقق يوما. "
- "محظوظة أنت لقد حظيت بكل ما تتمنين، هل كنت تحبين جاسر منذ مدة ؟ "
- " منذ كنت صغيرة وأنا ألعب معه ومع الأميرة والأطفال هناك وحين كبر رفض أبي زواجي منه، لا أعرف سببا لذلك ولكننا عصينا أمره ورحلنا عن القصر. "
- " ٳنه أمر مثير. فالحب يصنع المعجزات كما يقال. "
12_
" جمعتكنّ اليوم لغاية جليلة في نفسي، أنّ أذكركن بقداسة الواجب، ٳنّ الواحدة منكنّ تحيا لأجل أن تنشئ أمّة طيّبة، فيها من الوعي والحكمة ما يحفظ كرامتنا ومجدنا. مجد حضارتنا الشرقية الضاربة جذورها في التاريخ. الكل يعرف أن شعبنا سيخوض حربا ضدّ البرابرة ومن لا يعرف بأسهم وقوتهم لقد كنا دائما مسالمين والحرب هي الملجأ الأخير بعد أن ما يغلق أبواب المفاوضة بيننا وبين أعدائنا لذلك يجب أن نعد أنفسنا تحسّبا لكل طارئ. "
- " ولكن كيف لنا أن نتصرف ونحن لا نملك من أنفسنا شيئا ٳلاّ ما يقدره الله لنا؟ "
- " أنظرن ٳلى أنفسكن، تأمّلن جيّدا، تريّثن وستجدن الجواب ستعرفن أن بإمكانكن أن تفعلن الكثير وأدناه جمع الأعشاب ودقّها لصناعة الأدوية اللازمة لإغاثة الجرحى يمكننا الاعتناء بجرحانا واطعام جيشنا. هذا أقل ما يمكننا فعله. "
- " ٳنهم يفوقوننا عددا وقد لا نتوصّل لصدّهم. "
- " ذلك راجع ٳليكن فلا خيار لدينا ٳلاّ هذا الأمر الذي دعوتكن لأجله، لقد بقي أمامنا قرابة الشهر نستطيع أن نصنع فيه المعجزة ونضحّي لأجل بقائنا وصيانة كرامتنا. فإمّا التضحية وحفظ كرامتنا وكرامة شعبنا وأطفالنا وٳلاّ سنقع في الذل والأسر سنصير عبيد لدى البربر ونسكب لهم الخمرة وننتصب قيانا في ملاهيهم ومجالسهم، فأيهما تخترن. "
13_
"حسنا يا رؤى، لن أتردد هذه المرة سأخبرك عن كل شيء لطالما كنت الصديق الحميم والمخلص لديفون، كان يثق بي ثقة كبيرة ما كنت لأخونه يوما ولكن شاءت الأقدار أن حدث أمر مروع معه فاضطر لمغادرة القصر والمملكة كلها، الأمسية التي كان سيرحل فيها عقد قرانه على ميساء وكنت أنا أحد الشهود أنذاك، حينها طلب منّّي أن يحدثني في أمر مهم. و طلب منّّي التقرب ٳليك و الوقوف ٳلى جانبك. كنت فتى غليظا الكل يهابني ما كنت يوما لأفكر أنني سأرتبط بأية فتاة كانت. لا لأنني خال من الإحساس. ولكنني لا أميل إلى النساء طالما أن المرأة تنظر لنفسها على انها كائن ضعيف يعيش عالة على غيره. كرهت فيهن الجهل وغياب الوعي بدورهن وأنا الفتى الفارس رمز القوة والبطش الذي لا يفلت من قبضته أشد الأعداء قوة حينها كانت أمي تفعل المستحيل لتزوجني كما زوجت أخي و أختي من قبلي. أعجبني القرار الذي اتخذته بشأن النساء فزادني ذلك ٳصرارا على التقرب منك أكثر من ذي قبل كذلك كنت أريد أن أرضي ديفون وأساعده على كشف الحقيقة. فزاد تعلقي بك ٳلى أن تحول هذا الشوق شيئا فشيئا ٳلى حب صاعق اخاذ، لم أعد قادرا على فراقك لحظة واحدة يجب أن أكشف لك عن الحقيقة عن حقيقتك، عن حقيقة ديفون و من يكون بالنسبة لك؟"
14_
انفجرت الذاكرة، انتصرت الحقيقة وسقط الباطل، صرعت الذاكرة النسيان وخرجت تحمل شارة الفوز البيضاء ٳفتك منها الألم واليأس بعض جمالها وبريقها. تدفّقت المياه في النهر العظيم، ماتت الذئاب وسحقت الوحوش، أعادت الحقيقة للجسر شبابه ودفئه فغدا شابا يانعا، أراقت الحقيقة دماء الأفاعي وتدفقت المياه صافية عذبة تزيل ما علق من أوحال، أخيرا بدأت بضع قطرات تتدفق من جديد لتبث الخضرة في جنبات النهر لتهب الحياة لشعب بات يشحت طعامه تصدّيا لكدمات الجوع، تعطشت روح رؤى للحقيقة، فدوّت صارخة هزت أركانها وقلبت كيانها حطمت عالمها الجميل لعبت بأحلامها برؤاها ٳلا أنها تظل حقيقة...
15_
فتح الحارس الباب فدخل جاسر وتبعته رؤى وٳلياس. نظرت ٳلى الركن فرأت رجلا في مقتبل العمر شعره أسود يتدلى على جبينه، عيناه صامتتان حزينتان وملامحه قوية متماسكة وبنيته تبدو سليمة.
فوجئت لما رأته كانت تنتظر أن ترى شيخا هرما ضعيف البنية، أثقلته الهموم والأحزان لقد تخيلته بصورة مخالفة لما رأت، رأته يحدق بها وملامح الاندهاش بادية على محياه، كأنما لايصدق نفسه كأن أمرا ليس عاديا يحدث، أخيرا انفرجت ملامحه كأنما يريد أن يقول شيئا.
- " هل الإله يعطف بي ويعيدك ٳلى شبابك يا نورهان؟ لا يعقل هل أعادك ملك الموت وباركتك آلهة جمال الإغريق واليونان في أساطيرهم فغدوت زهرة في مقتبل العمر؟ ما هذا لا أصدق؟ ألم يخبرني الوزير بأنها ماتت؟ "
- " حسنا يا جهاد، صحيح بأن هذه الفتاة صورة عن نورهان ولكنها ليست هي؟ كما أن نورهان لازالت على قيد الحياة. "
- " ماذا تريد أن تقول أيها الفتى؟ أفصح سيصيبني الجنون يا هذا! "
- " لقد جمع الحب بينك وبين نورهان يوما فخلفتما مولودة أسميتماها رؤى لكن وزيرا ظالما أخبرك يوما بأنها ماتت ٳنها تقف أمامك الآن بلحمها ودمها. تجري بعروقها دماؤك. " ثم توقف جاسر عن الكلام.
- " رحماك يا رب هل عفوت عني أخيرا؟ أحمدك يا ربي، رؤى تعالي يا عزيزتي قبلي أباك الذي حرمته الدنيا ومتاعها من رؤيتك طيلة هذه السنين! تعالي ٳلى حضن أبيك. يا صغيرتي! "
سارت ٳليه بخطوات متعثرة وارتمت بين أحضانه، فأحس بأن الحياة عادت ٳليه، قدمتها له هذه الفتاة البريئة على طبق من فضة.
أما هي فلطالما تمنت هذه اللحظات... أن يلتئم شملها بأمها و أبيها وأن تحيا بينهما كأية فتاة أخرى لكنها ما انتظرت أبدا لتتحقق قتلت هذا الأمل فهما ماتا منذ ولادتها، رأف بها الإله وهاهو يعيدهما ٳليها.
تأملت المكان فبدا لها مريحا ثم تأملت بنية أبيها. لقد صمد أمام عذاب كل هذه السنين بكل عزيمة وصبر فأدركت عظمته وقوته حقا ٳن الدماء التي تجري بعروقه هي دماء ملكية عظيمة.
16_
تسللت خيوط الشمس من الشرفة عاكسة الضياء والإشراق حين فتحت رؤى عينيها. اليوم تفتح قاعة القضاء بابها للشعب اليوم سيزال اللبس عن الحقيقة وتسطع ناصعة أمامهم سيلاقون ملكهم العظيم جهاد وسيرعاهم كما كان سابقا إستعد الجميع لحضور المجلس دخلت رؤى كعادتها إلى القاعة كان عمها جاسر يحتل موقع الوزير جلال حيث الجميع وجلست ثم إستأنفت تقول:
- " إنه ليحز في نفسي أيها الشعب العظيم أن أجلس أمامكم ولآخر مرة فوق هذا العرش النبيل! إنه لأعظم وأسعد حدث في حياتي! "
بدت الدهشة والاستغراب على وجوه الجميع.
- " لا تعجب أيها الشعب العزيز! لقد ساد الظلم هذا القصر فاستل سعادته و زرع الألم والتعاسة من خلف الدهاليز والظلام. ستخلد أميرتكم للراحة الآن فلقد أصابني الإعياء والإرهاق. أديت رسالتي وأوج عطائي تفانيت في القيام بواجبي وآن للحقيقة الآن أن تظهر. سأزيل عنكم اللبس وأسقط القناع حتى تروها جلية! "
أشارت رؤى للحراس فدخل الملك جهاد والملكة نورهان، فزادت دهشة الجميع! لا سيما الشيوخ الكبار الذين حضروا فترة حكمهما وعاشوا في أيامهما لم يصدق الجميع أنظارهم وطغى عليهم صمت رهيب...
- " لا تخمد أيها الشعب هللوا طربا وسعادة لعودة ملككم العظيم جهاد فهو لم يمت هاهو يمثل بين أنظاركم ! تفرسوا فيه جيدا لتدركوا عظمته وقوة بأسه وتحديه لكل هذه السنين من الحجز والمعاناة! ظلت رؤى تسرد الحقيقة كاملة ثم إستأنفت تقول... "
- " لكم أن تحكموا في شأن الفاعل! ولكن ما من متهم بيننا عدا الإنتقام والشر اللذاين هدما حياة أجيال بأكملها و ستلحقهم أجيال! أصدروا حكمكم بأنفسكم على هذين المتهمين كل له الحق أن يقتل الشر و الإنتقام بداخله إصرعوها و اقضوا عليها قبل أن يبادر بذلك إليكما!... "
اغتنم إلياس الفرصة واتخذ قراره الحاسم قرر أن يضع حدا لجمودها وبرودة مشاعرها قرر أن يقتل ديفون بداخلها وأن يحيي شبح إلياس.
تقدم بكل جرأة نحو الباحة واستأذن الملك جهاد فأذن له.
- " مولاي جهاد! أيها الشعب العظيم! لقد اكتملت سعادتنا وفرحتنا! لقد أدت الأميرة واجبها ورسالتها بكل تفان وإخلاص. عادت الأمور إلى نصابها. لقد أثبتت أنها مثال للتضحية والعطاء نهضت بنا من ضعفنا ويأسنا وثبتت فينا الأمل والفرحة أثبتت بأن المرأة هي أقوى الكائنات وأقدرها على تخطي الصعاب.
قفوا إجلالا أيها الحضور لملككم الذي من الله به عليكم ولرؤى التي كان لها فضلا لن ينسى في الدفاع عنكم.
وقف الحاضرون ثم انحنوا انحناءة الإجلال والطاعة فيما سارت رؤى إلى إلياس تأخذ بيده و تقدمه لأبيها وهي لا تنفك تنظر إليه نظرة فهم كنها والحاضرون وأولهم إلياس الذي ارتجفت يده لأول مرة وهو الفارس المقدام في يدها...
وإنه أيدي هذا الشعب الكريم وبين جلالة الملك والملكة العظيمة نورهان أملا في إكتمال السعادة والفرحة طالبا يد الأميرة رؤى بإسمكم جميعا. "
عمّت الفرحة وانبثق عهد جديد استطاعت رؤى أن ترسم فيه بعض أركان عالم مثلها فقط الأمل والتضحية الجبارة هم شعارها.
تبدأ الفكرة حلما يصبح هاجسا ملحا بداخلنا ورغبة جبارة حين نقتنع بضرورة تحقيقها حينها فقط ننتقل إلى طور التضحية والتعب والجد والعمل فيصبح الحلم حقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.