تناقضات عديدة رصدها مؤتمر أوضاع الأرض والسكن فى مصر، الذى عقده مركز شركاء التنمية على مدار يومى 20 - 21 إبريل، منها ما استوقف الدكتور مصطفى كامل السيد مدير مركز شركاء التنمية، أن مئات بل آلاف الشقق مغلقة ويقابلها ملايين السكان يعيشون فى مساكن عشوائية لا تليق بالبشر، وفى نفس الوقت لا تزال الإعلانات المستفزة فى وسائل الإعلام المقروء والمرئى تعلن عن توفر آلاف الوحدات فى الإسكان الفاخر، حيث يمثل السكن بالتمليك فى مصر 80% وفى المقابل يمثل السكن بالإيجار 20% فقط. أشار السيد إلى أن أوضاع تملك الأرض والسكن تعكس توزيع السلطة والثروة فى مصر فمن لديه القوة والثروة يتملك الأرض والسكن بأيسر الإجراءات وأزهد الأثمان ومن لا يملك السلطة السياسية والثروة لا يستطيع تملك الأرض والسكن. مشيراً إلى أن مشكلة السكن فى مصر سواء العشوائية أو الفاخرة جاءت نتيجة ضعف التخطيط العمرانى والتشريعات المنظمة لعملية الإسكان فى مصر، فحاولت كل فئة من فئات المجتمع توفير السكن المناسب لدخلها واحتياجاتها الاجتماعية فظهرت المجتمعات العشوائية وتجمعات الصفوة كما يطلق عليها. ويرى المهندس محمد مجد الدين وكيل وزارة الإسكان سابقاً أن التشريعات والقوانين لم تستطع حل مشكلة الإسكان فى مصر، متسائلاً كيف يمكننا توفير السكن المناسب لمحدودى الدخل فمن غير الطبيعى أن يصل متر البناء فى مصر 1000 جنيه فيتراوح سعر الشقة 63 متراً من 60 – 85 ألف جنيه، وهى بعيدة كل البعد عن دخول محدودى الدخل، كما تعجب من القوانين التى تجعل من الساكن مالك للإيجار حتى بعد وفاته فيتوارثها أبناؤه أو من يعيش معه فى البيت. وقال الدكتور إبراهيم الجعفرى عضو لجنة الإسكان بمجلس الشعب أن الواقع العملى يشير إلى أن المناطق العشوائية رغم محاربة الدولة لها، إلا أن مساحاتها وعدد سكانها زادت بمعدلات أكبر من المدن الجديدة، وهو ما يعنى أن المناطق العشوائية كانت أكثر جذباً للمواطن المصرى أكثر من المدن الجديدة، وأضاف أن العشر سنوات الأخيرة لم تكن هناك قضايا أكثر إلحاح من قضايا تسقيع الأراضى والفساد الذى شاب حصول بعض الأفراد على آلاف الأفدنة من أراضى الدولة بأسعار زهيدة، ومع ذلك لم نستطع بعد وضع شروط محددة ومنظمة لحصول هذه الجهات على أراضى الدولة لاستثمارها وتنميتها. من جهتها أوضحت الدكتورة منال البطران أستاذ التخطيط العمرانى بالمركز القومى لبحوث البناء والإسكان، أن المجتمعات العمرانية الجديدة تعتبر إحدى السياسات التى انتهجتها الدولة لحل مشاكلها العمرانية، فتم إنشاء 22 مدينة جديدة على مساحة 710 آلاف فدان، جذبت السكان ووفرت معها 414 ألف فرصة عمل بها، باستثمارات حوالى مليار جنيه بخلاف ما تم صرفه على القطاعات الأخرى مثل المرافق والخدمات الأجور والمستلزمات وفوائد القروض، ولكن بعد 32 سنة يمكن القول بأن المدن الجديدة لن تصبح الاختيار الأول للفقير وإنما هى اختيار الأغنياء الذى يلحق بهم الفقراء، حيث انتقلت فئات الدخل الأعلى بمشروعات جديدة وأسلوب معيشى جديد، وبدأ تحول مفهوم المدينةالجديدة من كونها مستوطنه لإيواء ذوى الدخول المنخفضة إلى فكر تحقيق المجتمع الانسانى الأكثر جاذبية واستقراراً لسكانها على نمط الحياة الأمريكية الذى تتطلع إليه العديد من الفئات الاجتماعية المستحدثة التى تتمتع بالثراء. أضافت البطران فى أواخر الثمانينات بعد التحول الاقتصادى إلى الرأسمالية ظهر نمط جديد من التجمعات السكنية المتكاملة والمحاطة بأسوار تسكنها الطبقات الراقية من المجتمع بحثاً عن الخصوصية والتميز "الكمبوند"، بمساحات تتراوح ما بين 1500- 6500 فدان مثال "الرحاب فى القاهرةالجديدة و"بيفرلى هيلز" فى الشيخ زايد "ودريم لاند" فى 6 أكتوبر وغيرها. فتحول الهدف من بناء المدن الجديدة من امتصاص الزيادة السكانية وتوفير مواقع جديدة بأسعار مخفضة لإسكان محدودى الدخل والحد من انتشار الإسكان العشوائى على الأراضى الزراعية إلى وسيلة للتربح بعد انتشار الفيلات والإسكان الفاخر بهذه المدن فتعدى سعر الأرض فى مدينة الجولف بالقاهرةالجديدة شرق العاصمة 6000 جنيه للمتر الواحد مقابل 200 جنيه فى السنوات السابقة، ووصل سعر الفيلا وصل إلى 16 مليون جنيه بعد أن كان لا يتجاوز 750 ألف جنيه. وترى الدكتورة دينا شهيب أستاذ فى مركز بحوث الإسكان والبناء أن مدن العبور والشروق و6 أكتوبر والقاهرةالجديدة هى ليست مدن جديدة بالمفهوم الصحيح وإنما هى ضواحى للقاهرة والجيزة على نظير مصر الجديدة والمعادى ومدينة نصر، فى السبعينات مع الفارق، فقد حرص البارون على إنشاء خط المترو ليربط بين الضاحية الجديدة وقلب المدينة ، بينما لم تهتم الحكومة بتوفير مواصلات لربط المدن الجديدة بوسط المدينة، لذا هرب منها الشباب ومحدودى الدخل فلم تحل هذه المدن مشكلة الإسكان فى مصر. وفى الورقة التى عرضها الدكتور أنور النقيب مدرس الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أكد أن قطاع البناء والتشييد يشكل محوراً هاماً من محاور التنمية لما يقوم به من دور هام فى دفع عجلة النمو، وخلق المزيد من فرص العمل، وتحريك النشاط الاقتصادى فى العديد من الصناعات والأنشطة الأخرى المرتبطة به، حيث تشير الدراسات أن أكثر من 92 صناعة ونشاط ترتبط بهذا القطاع، منها ما هو مرتبط بمرحلة ما قبل الإنشاءات مثل مكاتب الدراسات والاستشارات العقارية، والمكاتب الهندسية، وشركات التسويق، ومنها ما هو مرتبط بمرحلة الإنشاءات مثل صناعة المقاولات، وصناعة مواد البناء، ومنها ما هو بعد مرحلة الإنشاء مثل شركات التشغيل والصيانة، وغيرها من الصناعات المكملة لهذا القطاع، لذ فإن انتعاش القطاع العقارى يعنى زيادة النشاط فى هذه الأنشطة والصناعات بالتبعية، وهو ما يعنى أن القطاع العقارى يعتبر قاطرة النمو فى الاقتصاد الوطنى. وقد شهدت السوق العقارية المصرية حالة ركود استمرت منذ عام 1996 وحتى عام 2002 نتيجة عدة عوامل أهمها حادث الأقصر، وأحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 والتى أثرت سلبياً على الاقتصاد المصرى فتراجع الطلب خاصة فى مجال الإسكان الفاخر، وبداية من عام 2006 شهدت السوق العقارية المصرية نمواً كبيراً، مما أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات بشكل غير مسبوق. وفى عام 2008 حدثت الأزمة المالية العالمية مما كان له تأثير على هذا القطاع، ولكنه تأثير عكسى فقطاع الإسكان والعقارات فى مصر كان أقل القطاعات تأثراً بالأزمة المالية العالمية التى بدأت تضغط على قطاعات السياحة والتصدير وعائدات قناة السويس. وقد بلغت رؤوس أموال الشركات الجديدة فى قطاع التشييد والبناء نحو 1.3 مليار جنيه خلال عام 2004/2005، وبلغ أقصى ارتفاع لحجم رؤوس الأموال فى عام 2007/2008 حيث بلغ نحو 4.7 مليار جنيه، إلا انه انخفض عام 2008/2009 إلى نحو 3.3 مليار جنيه. وعن التناقضات التى رصدها النقيب قال "طبقاً للنظرية الاقتصادية، العلاقة بين الطلب على السلعة والسعر هى علاقة عكسية، فمع ارتفاع السعر ينخفض الطلب والعكس إلا فى حالة الأسمنت، حيث تشير البيانات إلى أن العلاقة بين الطلب على الأسمنت وسعره هى علاقة طردية أى أن أنهما يسيران فى نفس الاتجاه، فمنذ الربع من عام 2007 وسعر الأسمنت فى ازدياد حتى بلغ الذروة فى الربع الأول من عام 2009، وهى ظاهرة غريبة عجزت النظريات الاقتصادية عن تفسير السبب، فلعل علماء الاجتماع لديهم الإجابة. ويتوقع النقيب انخفاض الطلب على الاسمنت ومن ثم البناء فى الشهور القادمة فى ظل انخفاض دخل الأفراد وتراجع الطلب الخارجى على الإسكان فى مصر بعد العودة العكسية للمهاجرين العراقيين من مصر والأزمة الاقتصادية فى الدول الخليجية وانخفاض تحويلات المصريين نتيجة الأزمة المالية – كل هذه المؤشرات تؤكد ضعف الطلب على مواد البناء فى الشهور القادمة، إلا أنه فى الحالة المصرية يمكن أن يحدث العكس!!