تخطئ أرمينيا وقبرص واليونان وغيرها من الدول التى لديها خلاف مع تركيا إن اعتقدت أن مصر سترتمى فى أحضانهم نكاية فى الحكومة أو النظام التركى، لوجود خلاف سياسى بين القاهرة وأنقرة، على خلفية الموقف التركى من ثورة 30 يونيو.ليس بهذه الطريقة تدير مصر خلافاتها أو سياساتها الخارجية، فمصر لديها مبادئ ثابتة من الصعب أن تتجاوزها حتى فى ظل استفحال الأزمات بينها وبين دول أخرى، ولا ننسى أنه فى أعقاب الثورة تعالت الأصوات الشعبية المطالبة باعتراف مصرى رسمى بالإبادة الأرمينية على يد الدولة العثمانية، لكن لم يصدر مثل هذا الاعتراف الرسمى، لأن القاهرة تعلم أن مثل هذه القرارات لا تصدر فى حالة غضب.. نعم هناك وفد شعبى كبير بقيادة البابا تواضروس يشارك الأرمن فى احتفالهم بمرور 100 عام على ذكرى الإبادة، لكن فكرة الاعتراف ما زالت محل نقاش، ولم يتخذ فيها موقف رسمى. ما يقال عن أرمينيا ينسحب أيضاً على اليونان وقبرص، فالعلاقات التى تجمع مصر حالياً بالبلدين ليس أساسها الخلاف بين الدول الثلاث وتركيا، وإن تنوعت أسباب هذا الخلاف، فالعلاقات الحالية بين القاهرة ونيقوسيا وأثينا تقوم على المصالح المشتركة، وليس نكاية فى دولة أو شخص مهما فعل هذا الشخص أو نظامه ضد مصر وشعبها.بالتوازى مع ذلك أيضاً وانطلاقاً من هذه المفاهيم التى تحكم سياسة مصر الخارجية وعلاقاتها مع الدول، فإن دولة مثل أذربيجان لا يجب أن يساورها القلق حينما ترى أن العلاقات المصرية الأرمينية تأخذ بعداً إيجابياً، أو حينما ترى وفداً شعبياً كبيراً يشارك فى ذكرى الإبادة الأرمينية، لأن وجود علاقات قوية بين أرمينيا ومصر لا يستدعى الانتقاص من علاقات مصر مع أذربيجان التى لها خلاف حدودى مع أرمينيا حول إقليم ناجورنى كارباخ، لأن القاهرة تتعامل بحيادية تامة تجاه هذا الملف، ولم يكن لها موقف مؤيد لدولة على حساب الأخرى، لذلك فإنه من المهم أن تتفهم أذربيجان هذه النقطة جيداً، ليست أذربيجان فقط، وإنما على كل الدول أن تتفهم الاستقلالية التى تحكم سياسات مصر الخارجية، وأنها لا تسير وفق أهواء أو مصالح وقتية، وإنما تحكمها أطر استراتيجية لا تتغير إلا إذا أصيبت المصالح المصرية بضرر كبير.