(1) هى الصفة الريفية المؤنثة من "ناصر" وينطقونها "نصرة" لكنها وهذا هو ما يهمكم بالطبع. طبق البقلاوة الشهى الذى سال فجأة على شوارب خضراء بدأت فى الظهور. البيضاء التى نجت بشرتها من قيظ الغيطان وتمرد جسدها على الجبنة القريش والليمون المخلل فلم يأت نحيفاً قصيراً على عادة البنات هناك.. كيف لبنت "17" ذات العيون السوداء الواسعة والصوت اللين الخفيض أن تستسلم لطابور من العيال الذين حولوا كنوز أنوثتها إلى قفص طماطم يُباح للزبائن التفعيص فيه؟ لم تكن تتقاضى أجراً أو تستمع بمضاجعة مراهقين يتوقون إلى إثبات رجولتهم ولو مع حمارة عجوز، فإذا بالأقدار تهديهم النسخة المحلية من "امرأة عزيز" لا تبحث عن يوسف وإنما تقبل هذه المرة بأى خنزير مستثار. ناصرة.. عن أى شيء كنتِ تبحثين؟ "2" أنا بلا فخر أحد هؤلاء الخنازير المستثارين.. قلبى مُعلق بالغرفة المعتمة التى كانت فى الأصل محلاً للبقالة يبيع فيها أكياس الرابسو واللبان الدكر أب عجوز. مات الرجل وسافر ابنه للعراق بعد أن سمع كثيراً عن الدجاج المشوى ولم يعد فى البيت سوى أم ضعيفة النظر أكلت ركبتيها الخشونة وفتاة تقول للقمر: قوم وأنا أقعد مكانك. لكن ناصرة فى الحقيقة لم تكن تقول شيئاً. كانت تُجيد لغة الصمت وفن تسبيل العيون. آلت إليها الغرفة ذات الباب الذى يفتح على الشارع وتخرج منه الزبائن مُحملة ببقايا البضاعة الرخيصة. تمر الساعات وهى واقفة فى الشباك تتلقى نظرات المعجبين وإيماءاتهم العابرة... "عز" بطاقيته الشِبيكة وجلبابه الأبيض المُعطر كان ابن الجيران الذى يكبرها بعامين ويعرف البير وغطاه. نظرة فكلمة فابتسامة فقطرات دم وألم فظيع. عز علق باقتضاب وهو يلهث: عادى.. عشان بس أول مرة.. على عكس المتوقع، اكتفى عز بشرف الريادة كأول من حظى ب"وش القشطة" وزهد الصنف المحلى سريعاً وامتد نشاطه إلى البلدات المجاورة... أما ناصرة التى حباها القدر بجسد فرسة وعقل طفلة فظلت تتوقع الألم باعتباره شيئاً طبيعياً كلما نُزع لباسها الوردى. ولم تفهم أبداً لماذا يحرص بعضهم على الاحتفاظ بقطعة من ملابسها الداخلية ليرفعوها وقت اللزوم فى وجهى، فيخرسوا لسانى المُشكك ويفطرون قلبى المكلوم... "3" من فوق السطوح يا ناصرة أبعث إليك بتغريدات الهوى قبل أن يعرف العالم تويتر. بيتنا هو الأعلى فى القرية "3 طوابق" ولا يفصل بينى وبينك سوى ترعة نحيلة وعدة بيوت واطئة أنظر إليك فتبتسمين.. أبتسم تضحكين.. أضحك فتستسلمين لحضني.. لا أعرف ماذا أفعل بعريك وقد صرت أيتها الحسناء أشهر سر مُعلن يتقاذفك كما الكرة ذكور قريتنا رغم أنك ولا تشعرين بلذة. لست حيواناً لألتهم اللحم مهما كان بارداً... لست ملاكاً لأتغاضى عن غواية النهد الأبيض الذى ينافس باستدارته وشموخه إبداعات اليونان القديمة... "4" "ضُبط حسن مع فتاة فى ساعة متأخرة من الليل" بخط ركيك وطلاء رخيص يميل للون البنى استيقظت القرية على هذه العبارة مكتوبة على جدران كل من الجمعية الزراعية والسور الطويل لملعب مركز الشباب وواجهة جمعية الشبان المسلمين... وعلى مدار أسبوع غرق الجميع فى جدل لا ينتهي: من هو حسن هذا وأى فتاة تلك، ومن يا ترى الذى قرر الانتقام ولماذا...؟ الكبار استعاذوا بالله من غضب الله والأمهات الطيبات دعون المولى بأن يستر على ولايانا وخطيب الجمعة حذر من عاقبة تتبع عورات الناس، أما ناصرة فقد زارتنى فى المنام وأقسمت لى: صحيح أننى فرطت فى عرضى ومرغت شرف أهلى مع طوب الأرض، غير أنه لم يكن من بينهم قسماً بالله شخص اسمه حسن! "5" "إنها مجرد فتاة تعانى من التخلف العقلى بدرجة ما. وهذا ما يفسر خروجها من الدراسة وهى لا تزال فى الصف الثانى الابتدائى كما يفسر عدم إدراكها للدلالات الأخلاقية أو الاجتماعية المترتبة على خلع ملابسها، وأيضاً، وهذا هو الأهم، يوضح لنا لماذا تفتقد للشعور باللذة أو الإثارة أثناء الممارسة نفسها وتتصور أن الأمر مجرد لعبة". كدت أهتف فرحاً وامتنانا وأنا أستمع إلى تفسير الصديق القديم الذى تذكرته فجأة وأنا غارق فى حيرتى فقدت سيارتى من القاهرة إلى "البلد" لأستفتيه فى شأن بطلة حكاية قديمة عمرها عشرون عاماً... لكن فرحة ما تمت! صديق ثالث حضر الجلسة قال: لا.. هذا الكلام ليس صحيحاً. من الثابت علمياً أن التلميذة المتخلفة تهمل مظهرها مثل "عطيات" التى كان يغطى "..." لم يقل المقرف مادتها المخاطية نصف وجهها، بينما كانت ناصرة رمز النظافة والجمال، ولازلت أذكر الفيونكات الحمراء الزاهية التى تزين جدائل شعرها الناعم مثل قبلة ساخنة فى الأحلام... تراجع بمقعده إلى الخلف قليلاً حيث كنا نجلس على مقهى صغير بجوار محطة السكة الحديد ثم أضاف وهو ينظر لقمر مكتمل فى السماء: كان حذاؤها الذى يخفى أصابع صغيرة منحوتة لامعة على الدوام، وكانت ضحكتها أذكى من أينشتاين وتعليقاتها تجعلها نجمة فى مسابقات أوائل الطلبة..." ران صمت ثقيل ثم تنهد ثلاثتنا بعمق حين أدركنا أننى لم أكن العاشق الوحيد.. "6" قالوا لى: عليك ب "البرنس".. على يديه ستكشف المستور ويسطع فى قلبك نور الحقيقة... سألت: يطلع مين إن شاء الله؟ أجابوا: نجم شلة المسح والكسح.. فتية آمنوا باللهو وسهروا حتى مطلع الفجر فى الغرز والطرقات.. يأكلون بشراهة ويسرقون حمولة سيارات النقل من الفواكه. البرنس بالذات كان أول من تمرد على قانون عدم إلقاء المخلفات فى رحم ناصرة. أتى لها بحبوب منع الحمل التى كانت تباع فى شرائط ذهبية عبر محلات البقالة إلى جوار رؤوس الثوم وأقلام "بيك" وأقنعها بأن تتعاطاها بانتظام... قالوا أيضاً: اطمئن... لن تضطر إلى المجيء للبلد وتقود أربع ساعات من القاهرة إلى أطراف دمياط، فالبرنس أصبح الآن عُقبال آملتك يمتلك معرضاً للموبيليا عندكم فى شارع المناصرة.. أخذت هاتفه وضربنا موعداً بعد انتهاء ساعات العمل حتى لا يزعجنا الزبائن أو العمال. وفى الوقت المحدد فتح لى مكتبه الذى يحمل البصمة المميزة لمحدثى النعمة ثم فتح لى أحضانه أنا ابن البلد الذى يظهر فى التليفزيون وتنشر الصحف صوره. اقتربت منه وعلى وجهى ابتسامة تمساح هادئ.. كان الكاسيت الضخم أمامه تصدر عنه أحدث روائع الغناء الشعبي: هاتى بوسة يا بت!. أراد أن يخفض الصوت فطلبت منه أن يرفعه أكثر.. وحين دنت اللحظة انطلقت الرصاصة من "طبنجة" حصلت عليها بمساعدة صديق يعمل فى مكتب وزير الداخلية ثم خرجت سريعاً من باب خلفى يفتح على شارع يسبح فى الضجيج.