لقد أعاد الرئيس السيسى طرح الحلم العربى مرة أخرى، فى حديثه الذى أدلى به للتليفزيون المصرى الأحد 22/ 2 / 2015 م، وهو حلم تشكيل جيش عربى موحد، ليكون نواة للوحدة العربية الشاملة. وقد بدأ هذا الحلم العربى الوحدوى مع بداية العهد الناصرى، فقد كان يهدف إلى تكوين الجمهورية العربية المتحدة، بلملمة شتات الدول العربية المستقلة، ومساندة المد الثورى فى تلك التى كانت ترزح تحت نير الاحتلال حتى تاريخه، وقد ظهر لهذه الفكرة فى تلك الفترة العديد من المنظرين، والمفكرين، الذين نظروا لها، وصاغوا فلسفتها، ومبرراتها، وسبل تطبيقها. وقد تعلمناها أطفالاً فى المدارس الابتدائية، وقد كان من ضمن مبررات الوحدة العربية وحدة اللغة، ووحدة الدين، ووحدة التاريخ، ووحدة الجغرافيا، ووحدة التراث الحضارى، ووحدة الهدف والمصير، وقد كان العرب يدركون منذ وقت مبكر أن زراعة إسرائيل فى الجسد العربى، من ضمن أسبابه أن تصبح خنجرا فى الخاصرة العربية، يحول بينها وبين الوحدة والتماسك، وتمثل مسمار جحا فى الحائط العربى، وذيل الاستعمار فى المنطقة. ولولا نظرة التوجس والشك التى هيمنت على الدول العربية الملكية من التوجه الناصرى، نتيجة مساندته للثورة ضد النظم الملكية التى كانت قائمة فى حينه، ولولا نزغ الشيطان الاستعمارى، بين الدول العربية التى قامت بها الثورات، والدول العربية الملكية المحافظة، لتحقق حلم الوحدة. وقد كانت فكرة الوحدة فى ذلك الوقت تطرح باعتبارها وحدة اندماجية، تذوب بمقتضاها الدول العربية فى دولة واحدة، وقد كان هذا التوجه أحد أسباب فشل الوحدة، وذلك للاختلاف بين الرؤساء والملوك العرب فى الأسلوب والتوجه والهدف، والرغبة العارمة فى السلطة، سواء فى الأنظمة الرئاسية التى طغت عليها نزعات الزعامة، ورغبات التسلط، وحلم جنى ثمار النشاط الثورى، الذى يختلط فيه الجانب الخاص بالجانب العام دون فصل، والنظم الملكية التى تنتقل فيها السلطة بطريق الإرث فى الأسرة الواحدة، كذلك نظرة التوجس التى تملكت الدول العربية الصغرى حيال شقيقاتها الكبرى، والخشية من ابتلاع الثانية للأولى. كذلك خشية الدول النفطية من اقتسام ثرواتها مع الدول غير النفطية، وتحمل الدول الغنية أعباء الدول الفقيرة، وقد ظل هذا الحلم يراوح مكانه على مستوى التطبيق العملى، وإن كان قد تأصل له على مستوى الفكر والتنظير، وقد كانت أولى التجارب الوحدوية تلك التى تشكلت فيما يعرف بالاتحاد العربى الهاشمى، فيما بين المملكة العراقية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وقد فشلت هذه الوحدة بسبب انقلاب الجيش على ملك العراق فيما عرف بالثورة العراقية. ثم جاء مشروع الوحدة بين مصر وسوريا، والتى جاء خطاب الرئيس السيسى فى ذكراها، ولا أدرى إذا ما كان حديث الرئيس قد تصادف مع هذه الذكرى، أم أنه اختيار مقصود، خاصة فى ظل الظروف المتشابهة التى تمر بها البلدين، مصر وسوريا، بشأن تعرضهما سوياً لمخاطر التفتيت، وقد جاءت هذه الوحدة كرد فعل لحلف بغداد، وقد بلغت الرغبة لدى الشعبين فى التوحد حد حمل أبناء الشعب السورى لسيارة ناصر فوق الرؤوس عند زيارته للإقليم الشمالى "سوريا ". ثم سرعان ما فشلت الوحدة، وقد عاودت فكرة الوحدة طرح نفسها مرة ثانية فيما بين الحربين، حرب 1967 م، حرب 1973 م، بين مصر وليبيا وسوريا، فيما عرف ب"اتحاد الجمهوريات العربية"، وذلك سنة 1971 م، كنواة للوحدة العربية الشاملة، وقد كانت هناك تجارب وحدوية صغيرة مثل: ميثاق طرابلس الوحدوى فيما بين مصر وليبيا والسودان سنة 1969 م، والوحدة الاندماجية بين مصر وليبيا سنة 1972م، والجمهورية العربية الإسلامية فيما بين تونس وليبيا سنة 1974م، والبيان الوحدوى بين الجزائر وليبيا سنة 1975 م، والوحدة الاندماجية بين سوريا وليبيا سنة 1982م، والاتحاد بين الأردن وفلسطين ضمن المملكة الأردنية الهاشمية، والذى انقضى بقرار فك الارتباط، والإتحاد العربى الأفريقى بين ليبيا والمغرب سنة 1984 م، وهناك تجارب وحدوية ما زالت قائمة ومستمرة مثل: الإمارات العربية المتحدة، ومجلس التعاون الخليجى، واتحاد المغرب العربى، وقد تجددت دعوات الوحدة العربية، فيما بعد ثورات الربيع العربى، على لسان الرئيس التونسى السابق المنصف المرزوقى، حيث دعا إلى الاندماج بين ليبيا وتونس عام 2012 م، وكذا جاءت دعوة المرحوم الملك عبد الله بن عبد العزيز لإقامة اتحاد خليجى لمواجهة التحديات. وها هى دعوة الرئيس السيسى قد طرحت حلم الوحدة على بساط البحث من جديد بعد أن انتقلت المخاطر التى كانت تواجه الأمة من خارجها مهددة وجودها، إلى مخاطر الداخل المتمثلة فى الإرهاب والتطرف، والتى تهدد بتفجير الأمة ذاتيا، بعد أن أحاطتها المخاطر الخارجية، إحاطة السوار بالمعصم.. فهل من مجيب؟