«شطا» قرية صغيرة بمحافظة دمياط، تقع على المدخل الشرقى للمحافظة، عدد سكانها حوالى 25 ألف نسمة، وتبعد مسافة 3 كيلو من المحافظة، وهى واحدة من أكثر المناطق التى ينتشر بها مرض السرطان. الطريق للمدخل الشرقى للمحافظة متعرج تنقصه العديد من الخدمات، القمامة المتراكمة فى جميع أنحاء القرية، والعشوائية الشديدة تلفت الانتباه، كما تحيط القرية شركة السماد العضوى ومحرقة النفايات الطبية، ويعمل أغلب مواطنيها بالصيد ببحيرة المنزلة المشهورة بارتفاع نسب التلوث. ووفقا لإحدى الدراسات الحديثة التى أعدها الدكتور حسين الشافعى أستاذ الكيمياء الحيوية، فالبحيرة بها تلوث ناجم عن مياه الصرف الصحى والصناعى والزراعى غير المعالج وبها معادن ثقيلة تعد من أخطر الملوثات على البيئة المائية وصحة الإنسان. وتكمن خطورة التلوث فيما تحمله هذه المياه من معادن ثقيلة أهمها الرصاص والزرنيخ والحديد والكادميوم، والزئبق ومصدرها المصانع التى تلقى بمخلفاتها فى مياه مصرف بحر البقر أو على شبكات الصرف الصحى الرئيسية فى المدن والقرى، التى تلقى مخلفاتها فى بحيرة المنزلة مباشرة، وكذلك صرف المنطقة الصناعية جنوب بورسعيد وشركات البترول والغاز، حتى إن نسب التلوث فى مياه وتربة بحيرة المنزلة أعلى منها فى جميع بحيرات مصر ونهر النيل. ما سبق يشرح ببساطة سبب انتشار مرض السرطان بين أغلب سكان القرية، والذى تتعدد أنواعه ما بين سرطان الكبد وسرطان الحنجرة وسرطان الدم، ويعتبر سرطان الكبد الأكثر انتشارا فى المنطقة بسبب التلوث. الحديث عن مرض السرطان ليس سهلا، خاصة مع وجود تحفظ شديد على إعلانه من قبل سكان القرى الذين ينظرون إليه بإعتباره «وصمة عار»، على الرغم من تعدد الحالات بالقرية بين الكبار والصغار والسيدات والرجال. فى بيت ريفى بسيط يسكن «سيد بدر» الذى تجاوز الستين، الرجل الذى عمل صيادا منذ صغره يقول عن مرضه «فوجئت بورم فى ذراعى الأيسر وأجريت عددا من الإشاعات، رفض الطبيب المعالج بعدها إبلاغى بالمرض المصاب به، توجهت بالأشعة بعدها لطبيب آخر فأكد لى إصابتى بسرطان الكبد». عم سيد لا يعرف سبب إصابته بمرض السرطان وهو بالنسبة له «ابتلاء من الله»، ولا يفكر كثيرا فى الظروف المعيشية المحيطة به، كما لا يعبأ بتلوث بحيرة المنزلة التى يغطس فيها طالبا للرزق وصيد الأسماك، حيث يقول «لأ أعرف سبب المرض ولم يخبرنى به الطبيب المعالج، فقط قال إننى أحتاج لعلاج كيماوى طوال حياتى لا أتوقف عنه إضافة إلى المتابعة بمعهد الأورام بالمنصورة الذى تلقيت به العلاج». ويتذكر الرجل نصائح الأطباء بعدم تناوله أنوعا معينة من الأطعمة بأسى قائلاً: «منعنى الطبيب من كل الأطعمة التى أحبها، لكن هذا قضاء الله». عطية عبدالعراقى 43 سنة مواطن آخر من شطا تعرض لإصابة بسرطان فى الحنجرة ولا يعلم سببها، صعب على عطية الحديث بعد إجرائه عملية قريبا أزال بها الحنجرة لكن زوجته قالت: شخّص الطبيب المعالج حالته باعتبارها بحة فى الصوت، واختناقا حنجريا، وطالبه بإجراء عملية جراحية فى الحال بإزالة الحنجرة حتى لا تتدهور الحالة المصابة. من جانبه قال أحمد المغربى نائب رئيس نقابة «صيادين شطا» إن المنطقة بها نسبة عالية من التلوث، ولا تهتم المحافظة بها رغم وجودها على المدخل الشرقى لها، مضيفا «الصيادون بها معرضون لمخاطر عديدة، بسبب عملهم ببحيرة المنزلة التى تسجل أعلى نسب للتلوث». وأضاف «المغربى»: «توجد مئات الحالات المصابة بالمرض فى القرية، أغلبهم يرفض الإفصاح عن حالته، خوفا من ابتعاد الناس عنه، إضافة إلى من توفى من المصابين الذين وصل عددهم العام الماضى إلى 50 حالة وفاة بسرطان الكبد». وأوضح «المغربى» أن أغلبهم يخضع للعلاج بمعهد الأورام بدمياط، ووفقا له فمدير المعهد أكد لهم أنهم معرضون لمشكلة كبرى بعد عشر سنوات سيزداد فيها المرض. الدكتور طارق هيكل نائب مدير معهد الأورام بدمياط قال إنه لا توجد إحصائيات أو أرقام عن نسب الإصابة بمرض السرطان بشطا، مؤكدا أن عدد المرضى لم يزيد منذ عام 2000 حتى الآن. وأضاف «هيكل» أن سكان قرية شطا معرضون للإصابة بالسرطان لوجودهم بجانب بحيرة المنزلة، موضحا «كل سكان القرى الموجودين بجوار بحيرات مغلقة مثل المنزلة، والبرلس، معرضون للإصابة بأمراض سرطانية لارتفاع نسب التلوث بالبحيرة». مدينة المطرية بمحافظة الدقهلية، تتشابه مع «شطا»، حيث يعمل أغلب سكانها بالصيد من بحيرة المنزلة وتنتشر بها الإصابة بأمراض السرطان أيضا، ورغم أنه من الصعب حصر عدد المصابين فى المدينة لارتفاع كثافة سكانها، فإن عددا كبيرا من الصيادين بها مصابون بالمرض وبها حالات وفاة كثيرة من مرض السرطان. نقيب الصيادين بالمدينة أكد فى تصريحات صحفية ل«اليوم السابع» «أن أغلب الصيادين يتعرضون للإصابة بالسرطان وزوجاتهم أيضًا بسبب نزولهم فترات طويلة فى البحيرة الملوثة بالمعادن الثقيلة، إضافة إلى استخدام مياه الصرف الصحى فى رى الأراضى الزراعية، وشرب المياه الملوثة». محمد صالح 36 عاما تعرض لإصابة بسرطان الثدى، ليست الوحيدة، إذ يشبهها عدد كبير من الحالات بين الصيادين وزوجاتهم الذين لقوا حتفهم جميعا بسبب المرض ولا يعرفون له سببا ولا يجدون له علاجا.