سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
3000 أسرة تعانى المرض والفقر فى عشش "عزبة أبو حشيش".. 16 ألف نسمة يعيشون على ما يجدونه بالقمامة وأطفالهم لا يمكنهم الالتحاق بالمدارس.. مواطن يطالب بسرير.. وأخرى:"نفسى حد كبير فى البلد يسمعنى"
من فوق كوبرى غمرة، وبالتحديد عند منتصف شارع بورسعيد، عند محطة مترو غمرة، على يمينك باتجاه الوايلى والزاوية الحمراء، يمكنك وأنت أعلى الكوبرى أن تشم رائحة الفقر والمرض، وتستمع لكثير من القصص الإنسانية فى عزبة أبو حشيش، مما لا تختلف عن غيرها فى مناطق مصر العشوائية، قد تختلف رقعة الأرض وموقعها الجغرافى ونوع الخشب والصاج المبنى بها، لكن تظل التفاصيل الإنسانية واحدة تعكس المرض والفقر وقلة الحيلة والرزق. لا يمر أسبوع أو شهر إلا وترى بعض المسئولين يجمعون أنفسهم ويتفقدون المنطقة، وخاصة بعد نشر موضوع صحفى أو حلقة تليفزيونية تندد بالعشوائيات. منذ وصولك إلى محطة مترو غمرة ستجد على جانب الطريق من ناحية عزبة أبو حشيش خيام لبيع "الروبابيكيا"، بالإضافة إلى أكوام من الخشب والصاج والحديد فى جميع الشوارع الجانبية للمنطقة وتشكل هذه الأكوام ستارًا تختبئ خلفه الحقيقة التى تصمم الحكومات المختلفة على غلق أعينها عنها حتى لا تظهر العقارات التى لا تزيد على دور واحد والمصنوعة من الخشب أو الصفيح والقابلة للانهيار فى أى وقت. وعلى الجانب الآخر، بالقرب من شارع رمسيس ستجد المتاجر الفخمة لبيع أثاث المنازل والأسماك خلفها الأبراج المرتفعة فى سماء المحروسة بعيداً عن العشوائيات. إنها عزبة "أبو حشيش" التى صنفتها الدولة كإحدى المدن غير المخططة وغير الآمنة أيضا، ووضعت على قائمة خطط تطوير العشوائيات التى تتولاها وزارة التطوير الحضرى للعشوائيات، ومحافظة القاهرة. تبلغ مساحة عزبة أبو حشيش 18 فدانًا ويبلغ تعداد سكانها 15741 نسمة وعدد الأسر فيها 3000 أسرة، يعيش أكثر من 90% من سكان العزبة تحت أدنى مستويات الفقر ويسكنون إما فى أكواخ صممت من الأخشاب والصاج وأما من الطوب الذى عفا عليه الزمان. وأعلن محافظ القاهرة الدكتور جلال السعيد، أن تكلفة تطوير عزبة أبو حشيش بغمرة بلغت أكثر من 17 مليون جنيه تشمل تطوير العشوائيات وإعادة تسكين أهالى المنطقة، وقام بهدم 11 منزلا وأكد المحافظ أن عمليات التطوير ستشمل إنشاء ملاعب رياضية لأبناء المنطقة إلى جانب مركز ثقافى جديد، ورغم هذه التصريحات فالمنطقة مازالت كما هى والتطوير يسير بخطى السلحفاة. داخل المنطقة يخبرك الأهالى أنه منذ عشرات السنين يتردد عليهم المسئولون بمحافظة القاهرة وصندوق تطوير العشوائيات، وينتهى الأمر بالتصوير أمام الكاميرات عن خطط التطوير للمناطق العشوائية، ولكن للأسف لا يتم منها شىء ورغم قيام ثورتى يناير ويونيو، فجميع خطط تطوير المناطق العشوائية ما هى إلا حبر على ورق محفوظ فى أدراج مكاتب كبار المسئولين بالتوازى مع تزايد معاناة الأهالى يوما بعد الآخر. رائحة الصرف الصحى تخبرك فور دخولك للمنطقة بقصة الأمراض والإهمال التى يعانيها الأهالى. فالقمامة والصرف الصحى رفيقا للأهالى رغم كل ما يتشدق به مسئولو محافظة القاهرة، ورغم تصريحات حافظ السعيد رئيس هيئة نظافة القاهرة بأنه تم رفع أكثر 120 طن مخلفات وردش مبان منها إلا أنه مازالت أكوام الردتش والقمامة هى السمة الواضحة للمنطقة وشوارعها الضيقة التى بالكاد تكفى لمرور سيارة واحدة صغيرة الحجم، يتفرع منها حارات ضيقة تملؤها الحفر مع انتشار صور الفريق الأول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع وأعلام مصر. أزقة وحارات ضيقة تحمل وصمة عار حكومة عجزت عن توفير سكن مناسب لفقراء قادهم حظهم للعمل فى جمع وبيع الخردة واضطرتهم الظروف الاقتصادية إلى اللجوء إلى هذه المناطق ليسكنوا بمساكن غير ملائمة للبشر، ويعيشوا معرضين لخطر طوال حياتهم، ليس لديهم أبسط مقومات الحياة البشرية، بينهم المعافى والمريض الذى لا يجد حق الدواء فكم من حكومات رحلت وأتت وتبقى هذه المناطق كما هى بدون أى تغيير فور وصولنا للمنطقة بدأت تطاردنا نظرات الباعة والأهالى معا أثناء جلوسهم على الأرض، وهم يفترشون بضائعهم التى جمعوها من القمامة ليقتاتوا بثمن بيعها حتى الأطفال بدأوا يرتابون من الغرباء. فالكل يأتى إليهم وتنطلق بعدها الشائعات عن هدم المنطقة رغم أن هذه المنطقة زارها كل أعضاء مجلس الشعب والنواب، حيث وعدوا دائما بتطوير المنطقة وإيجاد حياة كريمة، وفى شوارعها الضيقة ستجد صورا لمرشحى مجلس الشعب عن دائرة حدائق القبة مثل حشمت فهمى تاجر الأسماك ومرشح الحزب الوطنى المنحل أو عمرو زكى مرشح الفردى فئات، ورأفت حامد مرشح القائمة عن الحرية والعدالة، بالإضافة إلى حازم صلاح أبو إسماعيل المرشح الرئاسى السابق. احتياجات الناس هناك فى أبو حشيش بسيطة جدا.. داخل العشة الصفيح تجد عم مصطفى سالم ذو السبعين عاما يفترش على الأرض بطاطين يمكن أن نصفها بأنها "هلاهيل من بواقى البطاطين" يحمد الله ويقول: "كل اللى عايزه سرير أنام عليه". بابتسامة رضا بالمقسوم يقول عم مصطفى: أنا عندى 70 سنة ومتزوج وعندى 6 أبناء وبنات والصبيان أكبرهم 17 عامًا وأصغرهم 9 سنين، اثنان بس فى المدارس والباقى خرج علشان الظروف والمعيشة الصعبة وعندى سكر و ضغط و مشاكل كثيرة فى القلب ورجلى الاثنين فيهم مرض دواللى الفيل، واحنا عايشين فى غرفة واحدة و دورة المياه مشتركة والحياة صعبة. وبالقرب من عشة عم مصطفى، جلست فوزية أبو محمد تحكى قصة الإيجار المكسور عليها من سنة الشهر ب300 جنيه، وتقول "مش قادرة اشتغل وعايشة على باب الله وبربى عيالى بعد جوزى ما مات وسابنى نلطم فى الدنيا والدنيا تلطم فينا" . وبجوارها جلست الحاجة "فاطمة " 75 عاما بملامحها المصرية تروى كيف أصبحت وحيدة فى غرفة متر ونص عرض و2 متر طول بدون أى شىء، قائلة "نفسى الدنيا تهدأ والناس ترجع تحب بعض ليه بات فى قسوة على بعض أوى كده يا ولاد أنا بصلى الفجر حاضر فى الجامع وبدعى ربنا يحمى مصر ويحمى الشباب وتكون دنيتهم عسل فى عسل وهناء وسرور ثم تبتسم وتدعو من أعماق قلبها إلى الشباب وكل المصريين مضيفة: والله الشباب والناس طيبين ومعدنا أصيل وولاد حلال وأنا عايشة لوحدى، مش عايزة غير شوية هواء علشان بقفل باب الغرفة عليا وأنا نايمة، ونفسى كمان أشرب مياه ساقعة علشان أخد علاج القلب والسكر والضغط وكمان نفسى أروح أزور النبى يا رب أزور النبى حبيبك. الحياة فى عزبة أبو حشيش مثل كل المناطق العشوائية لا يتمتع ساكنوها بخصوصية، فالمنزل رغم أنه ليس مشتركا إلا أنه باقى تفاصيل الحياة مشتركة، دورة المياه مشتركة، كما أن الكثيرين يستخدمون دورة مياه المسجد القريب منهم. الأسر الكبيرة سمة واضحة بعزبة أبو حشيش فستجد رجل وزوجته و7 أفراد تسكن فى غرفة 4 أمتار فى 4 أمتار ولها حمام مشترك، ويوجد فى الغرفة سرير واحد فقط ولا توجد أى أجهزة كهربائية فى الغرفة، الزوج غالبا ما يكون مريضا والرزق لا يكفى العلاج. عند حارة من جهة حارة بلا اسم أو رقم جلست أم على تحمل طفلها فى حجرها وبمجرد أن رأتنى "تركته على الأرض وقالتلى" يا أبلة والنبى انتو التليفزيون أنا عايزة أعالج ابنى عنده أربع سنين وعنده سيولة فى الدم بيحتاج يغير دم كل شهر ورحت مستشفى أبو الريش كل شهر بس المرض زاد عليه، والدكتور كتب له على حقنه كل شهر مع الدم ب500 جنيه ومش موجودة فى المستشفى. وأوضحت "أم على" أنها مطلقة وعايشة مع أمها المريضة ومفيش باب رزق لينا بعد مرض أمى بالقلب والسكر والغضروف. واختتمت أم على حديثها قائلة "والنبى نفسى أساعد عيالى وأصرف عليهم من مرتب ثابت أو إعانة، وربنا موجود أنا أم وولادى بيروحوا منى والفقر بيطحن العظم كل يوم ومش عارفة أعمل أى حاجة والله بمشى فى الشارع وبدعى ربنا يرزقنى بحد كبير فى البلد علشان يسمع شكوتى".