من فوق كوبرى غمرة وبالتحديد منتصف شارع بورسعيد عند محطة مترو غمرة، على يمينك باتجاه الوايلى والزاوية الحمراء، يمكنك وأنت أعلى الكوبرى أن تشم رائحة الفقر والمرض، وتستمع لكثير من القصص الإنسانية فى عزبة أبوحشيش، مما لا تختلف عن غيرها فى مناطق مصر العشوائية، قد تختلف رقعة الأرض وموقعها الجغرافى ونوع الخشب والصاج المبنى بها، لكن تظل التفاصيل الإنسانية واحدة تعكس المرض والفقر وقلة الحيلة والرزق. لا يمر أسبوع أو شهر إلا وترى بعض المسؤولين يجمعون أنفسهم ويتفقدون المنطقة، خاصة بعد نشر موضوع صحفى أو حلقة تليفزيونية تندد بالعشوائيات. منذ وصولك إلى محطة مترو غمرة ستجد على جانب الطريق من ناحية عزبة أبوحشيش خيام لبيع «الروبابيكيا»، بالإضافة إلى أكوام من الخشب والصاج والحديد فى جميع الشوارع الجانبية للمنطقة، وتشكل هذه الأكوام ستارا تختبئ خلفه الحقيقة التى تصمم الحكومات المختلفة على غلق أعينها عنها، حتى لا تظهر العقارات التى لا تزيد على دور واحد والمصنوعة من الخشب أو الصفيح والقابلة للانهيار فى أى وقت. وعلى الجانب الآخر بالقرب من شارع رمسيس ستجد المتاجر الفخمة لبيع أثاث المنازل والأسماك، خلفها الأبراج المرتفعة فى سماء المحروسة بعيداً عن العشوائيات. إنها عزبة «أبوحشيش» التى صنفتها الدولة كأحد المدن غير المخططة وغير الآمنة أيضا، ووضعت على قائمة خطط تطوير العشوائيات التى تتولاها وزارة التطوير الحضرى للعشوائيات، ومحافظة القاهرة. تبلغ مساحة عزبة أبوحشيش 18فدانًا ويبلغ تعداد سكانها 15741نسمة، وعدد الأسر فيها 3000 أسرة، يعيش أكثر من %90 من سكان العزبة تحت أدنى مستويات الفقر، ويسكنون إما فى أكواخ صممت من الأخشاب والصاج، وإما من الطوب الذى عفا عليه الزمان. محافظ القاهرة الدكتور جلال السعيد أعلن أن تكلفة تطوير عزبة أبوحشيش بغمرة بلغت أكثر من 17 مليون جنيه تشمل تطوير العشوائيات وإعادة تسكين أهالى المنطقة، وقام بهدم 11 منزلا، وأكد المحافظ أن عمليات التطوير ستشمل إنشاء ملاعب رياضية لأبناء المنطقة إلى جانب مركز ثقافى جديد، ورغم هذه التصريحات، فالمنطقة ما زالت كما هى والتطوير يسير بخطى السلحفاة. داخل المنطقة يخبرك الأهالى بأنه منذ عشرات السنين يتردد عليهم المسؤولون بمحافظة القاهرة وصندوق تطوير العشوائيات، وينتهى الأمر بالتصوير أمام الكاميرات عن خطط التطوير للمناطق العشوائية، ولكن للأسف لا يتم منها شىء، ورغم قيام ثورتى يناير ويونيو، فجميع خطط تطوير المناطق العشوائية ما هى إلا حبر على ورق محفوظ فى أدراج مكاتب كبار المسؤولين بالتوازى مع تزايد معاناة الأهالى يوما بعد الآخر. رائحة الصرف الصحى تخبرك فور دخولك للمنطقة بقصة الأمراض والإهمال التى يعانيها الأهالى. فالقمامة والصرف الصحى رفيقا للأهالى، رغم كل ما يتشدق به مسؤولو محافظة القاهرة، ورغم تصريحات حافظ السعيد رئيس هيئة نظافة القاهرة بأنه تم رفع أكثر 120 طن مخلفات ورتش مبان منها، فإنه ما زالت أكوام الرتش والقمامة هى السمة الواضحة للمنطقة وشوارعها الضيقة التى بالكاد تكفى لمرور سيارة واحدة صغيرة الحجم، يتفرع منها حارات ضيقة تملؤها الحفر، مع انتشار صور الفريق الأول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع وأعلام مصر. أزقة وحارات ضيقة تحمل وصمة عار حكومة عجزت عن توفير سكن مناسب لفقراء قادهم حظهم للعمل فى جمع وبيع الخردة واضطرتهم الظروف الاقتصادية إلى اللجوء إلى هذه المناطق ليسكنوا مساكن غير ملائمة للبشر، ويعيشوا معرضين لخطر طوال حياتهم، ليس لديهم أبسط مقومات الحياة البشرية، بينهم المعافى والمريض الذى لا يجد حق الدواء، فكم من حكومات رحلت وأتت وتبقى هذه المناطق كما هى بدون أى تغيير. فور وصولنا للمنطقة بدأت تطاردنا نظرات الباعة والأهالى معا أثناء جلوسهم على الأرض وهم يفترشون بضائعهم التى جمعوها من القمامة، ليقتاتوا بثمن بيعها حتى الأطفال بدأوا يرتابون من الغرباء. فالكل يأتى إليهم وتنطلق بعدها الشائعات عن هدم المنطقة رغم أن هذه المنطقة زارها كل أعضاء مجلس الشعب والنواب، حيث وعدوا دائما بتطوير المنطقة وإيجاد حياة كريمة، وفى شوارعها الضيقة ستجد صورا لمرشحى مجلس الشعب عن دائرة حدائق القبة مثل حشمت فهمى، تاجر الأسماك ومرشح الحزب الوطنى المنحل، أو عمرو زكى مرشح الفردى فئات، ورأفت حامد مرشح القائمة عن الحرية والعدالة، بالإضافة إلى حازم صلاح أبوإسماعيل المرشح الرئاسى السابق. احتياجات الناس هناك فى أبوحشيش بسيطة جدا داخل العشة الصفيح تجد عم مصطفى سالم ذا السبعين عاما يفترش على الأرض بطاطين يمكن أن نصفها بأنها «هلاهيل من بواقى البطاطين» يحمد الله ويقول: «كل اللى عايزه سرير أنام عليه». بابتسامة رضا بالمقسوم يقول عم مصطفى: «أنا عندى 70 سنة، ومتزوج وعندى 6 أبناء وبنات، والصبيان أكبرهم 17 عامًا وأصغرهم 9 سنين، اثنين بس فى المدارس والباقى خرج علشان الظروف والمعيشة الصعبة، وعندى سكر وضغط ومشاكل كثيرة فى القلب ورجلى الاثنين فيهم مرض دواللى الفيل، واحنا عايشين فى غرفة واحدة ودورة المياه مشتركة والحياة صعبة». وبالقرب من عشة عم مصطفى، جلست فوزية أبومحمد تحكى قصة الإيجار المكسور عليها من سنة، الشهر ب300 جنيه وتقول: «مش قادرة أشتغل وعايشة على باب الله وبربى عيالى بعد جوزى ما مات وسابنى نلطم فى الدنيا والدنيا تلطم فينا». وبجوارها جلست الحاجة «فاطمة» 75 عاما بملامحها المصرية تروى كيف أصبحت وحيدةه فى غرفة متر ونص عرض، و2 متر طول، بدون أى شىء، قائلة: «نفسى الدنيا تهدا والناس ترجع تحب بعض ليه بنقسى على بعض أوى كده يا ولاد. الحياة فى عزبة أبوحشيش مثل كل المناطق العشوائية لا يتمتع ساكنوها بخصوصية، فالمنزل رغم أنه ليس مشتركا، فإن باقى تفاصيل الحياة مشتركة، دورة المياه مشتركة كما أن الكثيرين يستخدمون دورة مياه المسجد القريب منهم. الأسر الكبيرة سمة واضحة بعزبة أبوحشيش، فستجد رجلا وزوجته و7 أفراد يسكنون فى غرفة 4 أمتار فى 4 أمتار، ولها حمام مشترك، ويوجد فى الغرفة سرير واحد فقط، ولا يوجد أى أجهزة كهربائية فى الغرفة، الزوج غالبا ما يكون مريض والرزق لا يكفى العلاج. عند حارة من جهة حارة بلا اسم أو رقم جلست أم على تحمل طفلها فى حجرها، وبمجرد أن رأتنى «تركته على الأرض وقالتلى»: يا أبلة والنبى انتو التليفزيون أنا عايزة أعالج ابنى عنده أربع سنين، وعنده سيولة فى الدم بيحتاج يغير دم كل شهر، وبروح مستشفى أبوالريش كل شهر بس المرض زاد عليه، والدكتور كتب له على حقنة كل شهر مع الدم ب500 جنيه ومش موجودة فى المستشفى، وأوضحت «أم على»: «أنا مطلقة وعايشة مع أمى المريضة ومفيش باب رزق ليهم بعد مرض أمى بالقلب والسكر والغضروف». واختتمت الأم حديثها قائلة: «والنبى نفسى أساعد عيالى وأصرف عليهم من مرتب ثابت أو إعانة.