سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فى الشرع والدستور البشر متساوون.. وفى «الشرطة» المستوى الاجتماعى يُفرّق الناس.. الطلاب الفقراء يلجأون لتغيير وظائف أقاربهم فى «وثيقة التعارف» خوفا من رفضهم بسبب ظروفهم الصعبة
منذ عقود طويلة تحول أمر القبول بكلية الشرطة من مطلب عادل لكل المصريين إلى حلم مستحيل التحقق لدى قطاع عريض من المصريين، فالكلية التى تأسست قبل نحو 100 عام، وتتنوع اختباراتها بين الطبى والرياضى والهيئة، أضيف إليها على مدار ال30 عاما الماضية اختبارات جديدة تختص بالناحية الاجتماعية للمتقدمين، لتكون سببا فى احتكار أبناء الضباط وأصحاب النفوذ لوظيفة «ضابط الشرطة». وعلى الرغم من قيام ثورتين فى 3 سنوات، كانت العدالة الاجتماعية أهم مطالبهما، فإن «عبارة غير لائق اجتماعيا» دائما ما تقف عائقا أمام أحلام البسطاء، ليصبح فى مصر ابن الضابط ضابطا، ويبقى فيها ابن العامل عاملا. ومن شروط الالتحاق بكلية الشرطة، ما يسمى ب«الأمن الاجتماعى» الذى يضم المعايير الاجتماعية للطالب المتقدم للالتحاق بالكلية، و«الأمن السياسى» الذى يضم معايير عدم الانتماء لأى تيار سياسى أو دينى، وهو ما يجعل أكثر من نحو 40% من المصريين القابعين تحت خط الفقر محرومين من الالتحاق بكلية الشرطة، بسبب أوضاعهم الاجتماعية غير الملائمة ومهن آبائهم البسيطة، وهو ما يتناقض مع الشرع والدين، فجميع البشر متساوون فى الحقوق والواجبات، وهو نفس ما يقره الدستور المصرى فى 2014 بتساوى المصريين فى الحقوق والواجبات، فالدستور لم ينص على أن يكون المستوى الاجتماعى المتميز شرطا للقبول. الناشط السياسى مروان يونس يؤكد أنه من غير المقبول استمرار عبارة «غير لائق اجتماعيا» بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ويكفى أن يكون الشخص من أصحاب السمعة الطيبة، موضحا: «أثناء الفترة الملكية لمصر كان ممنوعا على أبناء الفلاحين دخول كلية الشرطة، وهو ما لا يجب استمراره» مضيفا: «أن الأسرة التى تنفق على ابنها فى مرحلة الثانوية العامة، وتصل به إلى مرحلة الجامعة هى أسرة ذات مستوى اجتماعى مقبول، ولا يحق لأحد أن يحرم ابنها من الالتحاق بكلية الشرطة». الخبير الأمنى اللواء عبدالرحيم سيد يدافع عن عدم قبول كلية الشرطة للطلاب من المستويات الاجتماعية المتدنية، بأنها تؤثر فى التكوين والبناء النفسى لهم، ما ينتج فى حال التحاقهم بالشرطة انحرافات وتجاوزات خطيرة، لأن ظروفهم الاجتماعية تجعلهم غير مؤهلين للتعامل فى المناصب الحساسة، وهو ما يشكل لديهم أحقادا اجتماعية تجاه طبقة معينة، فيتعامل معهم بدافع الانتقام والتشفى دون النظر إلى تحقيق الأمن والعدالة. ويضيف الخبير الأمنى أن البيئة الطبيعة لضابط الشرطة، هى تلك الأسرة التى يستطيع عائلها توفير المسكن والملبس والمأكل دون أن يترك أفراد أسرته يعانون من عوز أو من حاجة معينة، وهؤلاء لا يدخلون الكلية ب«الواسطة»، كما يروج البعض، لكن بعد تجاوز الاختبارات وما تليها من أفضلية فى الدرجة النهائية. ويرى اللواء عبدالرحيم سيد، أن كلية الشرطة معهد تعليمى متخصص له شروط معينة واختبارات لابد أن يجتازها الطالب للالتحاق بالكلية، حيث يجب أن يتمتع بلياقة بدنية وصحية عالية، حتى يتحمل ضغوط العمل غير العادية والأحداث الطارئة التى قد تقع وتتطلب منه جهدا مضاعفا، بالإضافة إلى ذلك يجب ألا يكون له أو لوالده أو لأحد أقاربه نشاط إجرامى: «ميكونش محل شبهة»، والتى يفسرها الخبير الأمنى ألا تكون له نشاطات متعلقة بالجهات السياسية أو التيارات الدينية، أو ممارسة نشاط خارج لأحد أقارب الطالب من الدرجة الأولى والثانية حتى الثالثة، حتى لا يتسبب فى وقوع حرج على هذا الضابط أثناء تأدية عمله يضطره للخروج عن النص، أو محاباة أحد أقاربه، وحتى لا يقع تحت مسمى خدمة جهة معينة أو تيار معين. «وثيقة التعارف» التى يملأها الطالب المتقدم للشرطة، وتشمل معلومات عن الأقارب ووظائفهم وعناوينهم والبيانات الخاصة بكل فرد منهم، تعتبر واحدة من أكثر أسباب الرسوب بين الطلاب فى اختبارات الكلية، كما يقول اللواء عبدالرحيم ، لأن عددا من هؤلاء الطلبة يغيرون فى بيانات أقاربهم، لأنهم يعتبرونهم فقراء، وقد يؤثرون على قبولهم بالكلية، وهو الأمر الذى سرعان ما تكتشفه التحريات الخاصة التى تعد عن كل طالب متقدم، فيخرج ذلك الطالب لأنه غير أمين فى نقل البيانات وعرضها. «لا يعقل أن يقبل طالب لكلية الشرطة من مستويات اجتماعية لا يطمئن لها أو له قريب مسجل خطر» هكذا يتحدث أيضا اللواء رفعت عبدالحميد، الخبير بالعلوم الأمنية، مضيفا: «أنه لابد من التأكد من المستوى الاجتماعى لأسرة الطالب، وخاصة أخلاقها وعدم الانتماء إلى جماعات سياسية أو دينية، مضيفا أن هناك استثناءات بنسبة %5 من أبناء الضباط والشهداء، ولها معايير فى القبول وليست على إطلاقها. وعن ما تعارف عليه من وجود وساطة فى تجاوز الاختبارات، يتحدث اللواء رفعت أنه لا ينكر وجود قائمة أسعار أو تسعيرة دخول للشرطة، كانت لا تقل عن 30 ألف جنيه للطالب الواحد، ابتدعها أحد رموز الحزب الوطنى بالمنوفية تحت شعار دعم الحزب شعبيا، وتربية كوادر له على المدى البعيد، وامتدت إلى نواب البرلمان كل حسب سطوته ونفوذه حتى أصبح لكل منهم كوتة فى الكلية، مؤكدا أن ذلك توقف بعد الثورة، خاصة أنه يتقدم ما يقرب من 25 ألف طالب للالتحاق بالشرطة ومطلوب تصفيتهم ل1700.