قد يستطيع البعض أن يخدع الناس بعض الوقت، ولكن لا يستطيع خداعهم كل الوقت، لاسيما أن الإنسان فطرته دائما هى التى تغلب عليه وتظهر حقيقته حتما فى النهاية، فلو كانت فطرته الأساسية سليمة وسوية ستظهر للناس، وإن كانت عكس ذلك سيظهر قبحه وطبيعة شخصيته غير النظيفة، ولاشك أننا الآن فى زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، وانهارت فيه منظومة القيم والأخلاق، وأصبح الكل يلهث وراء المادة متخليا عن ضميره وعن الحد الأدنى من الفطرة الإنسانية السوية إلا من رحم ربى. أصبح الكثير يسعى للشهرة وللمجد وتحقيق المكاسب واعتلاء المناصب، حتى ولو على حساب غيرهم، فمن باع ضميره وأخلاقه ولم يلتفت لأعراف أو قيم أو يحترم ثوابت أوأصول، من السهل عليه جدا أن يدوس بقدمه حتى على أقرب الأقربين له. إن الطموح فى حد ذاته أمر محمود وليس مذموما، ولكن جنون الشهرة والطموح المفرط وارتفاع سقف الأمانى قد يؤدى إلى هلاك صاحبه، وقد يصل به إلى أدنى مكانة وأسفل مكان، بعد أن يكون فقد كل شىء، وخسر علاقته بكل من حوله وخسر حتى ذاته وقيمته كإنسان وإننا نرى فى عصرنا الحالى كثير من هؤلاء، الذين لا مانع لديهم من فعل أى شىء وعلى حساب أى شىء، طالما حقق لهم ذلك المصلحة أو المنفعة التى يريدونها ويسعون إليها، حتى لو كانت هذه المكاسب مؤقتة أو وهمية لكنها تشبع غرورهم أو بالأصح (جنونهم)، لكنها غايتهم ووفقا لمنطقهم فالغاية تبرر الوسيلة، وللأسف أن كثيرا منهم أصبح يتصدر المشهد الآن ويحاول أن يقحم نفسه لكى يتقدم الصفوف ويظهر فى الواجهة، مستغلا سذاجة بعض الناس وطيبتهم أو ربما جهلهم بحقيقته، ويحاول تقمص شخصية هى أبعد ماتكون عن شخصيته الحقيقية، ويحاول أن يضع نفسه فى مكانه أكبر من حجمه وقدراته وإمكانياته. قد يكون ماهرا فى أمور النصب والاحتيال أو خداع الآخرين بلباقة وشياكة ويعتقد بذلك أنه بلغ غايته ووصل لهدفه. فمثل هذا الشخص يرتدى زى الصدق على جسد لا يحتوى إلا النفاق، وليس له هواية أو مهنة سوى بث السموم بين الناس، وتفريق الأخ عن أخيه، والصديق عن صديقه، حتى يتسع له المجال، فهو مذموم، ممقوت من قبل نفسه، ومن قبل من تملق له، وهو مسكين يحسب أنه يحسن صنعا. وإذا بحثت فى سيكولوجية تلك الشريحة من الأشخاص ستجد أن غالبيتهم لديهم شعور بالنقص ويدور بداخلهم صراع نفسى كبير ولديهم إنتهازية شديدة تدفعهم نحوى تحقيق مصلحتهم الشخصية، كما يتمتعون بقدرة فائقة على التلون، لايطمعون فقط بأن يلحقون بالركب، بل يريدون أن يكونوا هم قادة المسيرة، ولا يوجد ضرر فى أن يكونوا قادة، بل الضرر فى أنهم يتحدثون باسم الشعب ويهللون باسم الشعب ويتاجرون بقضايا الشعب فقد تسلل فى غفلة من الزمن كثير من تلك الفئة، وتلك الشريحة بسبب أوضاع وظروف وسياسات اجتماعية متراكمة وأصبحوا يعتلون المنابر (سياسية - إعلامية- دينية - اجتماعية إلخ) فأفسدوا تلك المنابر وشوهوا تلك المؤسسات وتاريخها حتى إننا الآن أصبحنا نجد ثقافة وسلوك الشارع ينتقل إلى شاشات الفضائيات ونرى التراشق بالألفاظ النابية بين شخصيات من المفترض أن تكون صاحبة رسالة تنويرية وتوعوية وتربوية وأصبح الكل يتهم بعضه البعض، وأصبح الكل يخوض فى عرض الآخر، ولم يعد هناك ضابط ولا رابط ولا يوجد وازع أو رادع لدى هؤلاء. وأخيرا اعلموا أنه لاشىء يعلو فوق احترام النفس والذات والحفاظ على الكرامة الشخصية، فاحذروا هذه الشخصيات، التى أصبحت تخترق مجتمعنا وأصبحت كالسوس الذى ينخر فى جسد الأمة والوباء المتفشى فى أرجائها، احذروا هؤلاء الأفاقين والمتسلقين لايغرنكم أقوالهم وأكاذيبهم، ولا تتبعوا خطواتهم فهم مهما تجملوا فهم ضالون ومنحرفون ولا يعدون سوى (حرافيش).