كنت منذ الصغر، ولاأزال، أحب التعبير بالكتابة عن كثير مما يجول فى خاطرى، ولاحظ أبى، رحمه الله، حبى للكتابة فشجعنى ونصحنى بتدوين كل شاردة أو واردة، ودفعنى حب الكتابة إلى حب المعرفة والسؤال عن أشياء قد تبدو هامة، وقد تبدو تافهة بنظر البعض، وكتبت وأنا أحلم بأن أستطيع مستقبلا إيصال تلك الخواطر التى كانت تتكاثر وتنمو وتكبر معى إلى كل من يهتم بتحقيق أحلام الشباب العربى، كى تتم ترجمتها إلى واقع ملموس نعيشه، ولكن هذا كان ولايزال أضغاث أحلام، فلا أحد يهتم بما نريد، ولكن بما هو مفروض علينا، والحقيقة أن الإحباط قد نالنى فتوقفت عن الكتابة مدة من الزمن! وتساءلت بينى وبين نفسى هل الكتابة عن آمالى وآمال الشباب فى الوطن العربى هى مجرد فقاقيع فى الهواء لا تفيد أحدا؟ وهل حقيقة أن لا أحد يحلم بتحقيق مانزال جميعنا نحلم به؟ أليس ذلك مما يدعو للأسف، أنه لا أمل؟ ولقد حاولت مراراً وتكراراً نشر تلك الخواطر والأفكار، فلم ألق إلا كل صد وإعراض وعدم تشجيع على هذه النوعية من الكتابة الحالمة كما أطلق البعض عليها. وقد نصحنى البعض بالتخلى عن الكتابة فى ما لا يمكن تغييره أو تحقيقه على الأقل حاليا، فى ظل المعطيات المحبطة والمؤسفة التى نعيش فيها، والكتابة فيما يهم الشارع المصرى حتى أجد من يقبل أن يضع كلماتى وأحلامى على صفحات جريدته، وحقيقة.. لا أعرف لماذا يظن البعض أن مايهم الشارع المصرى مختلف عما يهم غيره من الشوارع العربية، فجميعنا- عربا مسلمين ومسيحيين- لنا نفس الآمال والتطلعات التى نتمنى تحقيقها مستقبلا، لماذا لا نعترف أن ما يهم الشارع المصرى هو بعينه ما يهم الشارع اللبنانى والسورى والجزائرى والمغربى والسودانى والليبى واليمنى والأردنى وهلم جرا بقية الشوارع العربية؟ ولو أعطى العرب حرية الرأى والتعبير فى وسائل الإعلام، لعاينا اتحاد الهموم والمشاكل والأحلام والآمال . فالوضع فى كل شوارعنا العربية متماثل، بل إن الناظر من بعيد يجد أن المنطقة العربية قد توزعت فيها القلاقل والمشاكل والمصائب بنسب محددة لكل بلد تبعا لتوزيع الناس والتاريخ على الجغرافيا، فمن يحكمون العالم قد آلوا على أنفسهم ألا يسمحوا لأى بلد عربى بأن يقيل عثرته، أو يقف لمواجهة مستقبل الأيام، بل، إن صح التشبيه، يقف قادة العالم بالمرصاد خارج حلبة المصارعة لضرب من تسول له نفسه أن يرفع رأسه بعد أن تلقى الضربة القاضية حتى لايستطيع حراكا ولا وقوفا، بل يبقى منبطحا على بطنه ويمنع من أى محاولة للنهوض. وقد تم لهم بحمد الله ما أرادوا باختيار الحكام الذين يشرفون على هذه المباريات، لضمان بقاء الوضع على ماهو عليه من الانبطاح على بطوننا فى جميع الشوارع العربية، وعدم القدرة على رفع رؤوسنا، وتسميم حياتنا بنفس الهموم والمشاكل فى كل شوارعنا العربية، وأولها عدم اختيارنا لحكامنا، بل فرضهم علينا قسرا، وهؤلاء باستبدادهم أصبحت عهودهم تتسم بانتشار الأمية، وكثرة عدد الفقراء، وزيادة نسبة الجرائم وحوادث القتل والاغتصاب والسرقة، وتصادم القطارات وغرق السفن والعبارات، وزادت أعداد حوادث السير والمرور، وعم الإهمال والكذب، وتصادم الناس وتباغضوا، وكثر أعداء النجاح فى كل مجال، وانتشر الشقاء والبؤس والفساد، وتفشت الرشوة والبغض والكره الذى يملأ الصدور، والحقيقة أن أعداءنا قد استطاعوا توحيد مشاعرنا فى وحدة مشتركة من الإحباط واليأس من الحلم، مجرد الحلم، بغد أفضل خال من التشاؤم واللاأمل التى أصبنا بها جميعا، بل إن القاسم المشترك بين شباب الأمة العربية، وأنا منهم، هو الحلم بالهجرة إلى المجهول بحثا عن مستقبل واعد فى بلاد لا يتكلمون لغتها، ولا يدين معظمهم بدينها، ولا كبروا فيها أطفالا ولا لهم فيها ذكريات، ولكن وآه من لكن هنا فعلا، إنهم كما رأينا وسمعنا عن كثير ممن سافر إلى بلاد الله الواسعة فى أمريكا وأستراليا وكندا، قد وجدوا هنالك أيدى تمتد إليهم لمساعدتهم، وتفتح لهم الأبواب التى أغلقها فى وجوههم أبناء جلدتهم الناطقين بالضاد فى بلادهم، ونجحوا بل برع الكثيرين منهم على جميع المستويات والأصعدة، وأصبحوا يشار إليهم بالبنان، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر من مصر؛ باعتبار أنى أعيش فى مصر، الدكتور أحمد زويل، والدكتور مجدى يعقوب، والدكتور محمد البرادعى، هؤلاء وغيرهم كثير تميزوا كل فى مهجره، ولو أنهم لم يهاجروا، ما كنا سمعنا عنهم . وأمثلة النجاح فى بلاد المهجر كثيرة، كلهم هاجروا من بلادهم العربية، التى تتميز جميعها بالقوة الطاردة لخيرة أبنائها وشبابها، ولن نتقدم ولن تتحسن أحوالنا ولن نلحق بالأمم التى سبقتنا بمراحل شاسعة، طالما بقى الوضع على ما هو عليه من التخلى عن زهرة شبابنا وتركهم يفيدون بلادا ليست بلادهم، لا لشىء إلا لأنهم لم يجدوا فى بلادهم ما يستطيع أن يستوعب طاقاتهم، أو يفجر الأحلام من داخلهم، لتتحقق على أرض الواقع- مع الأسف- بعد أن يضيع ولاؤهم لبلادهم. إذا أردنا لبلادنا العربية أن تتقدم، فيجب أن تتوقف عجلة الطرد الشريرة عن الدوران، وتلغى وزارات الهجرة من الحكومات العربية، لتحل محلها وزارات للعودة، فى مصر وسوريا ولبنان والمغرب العربى، تعمل جاهدة لتوفير فرص العمل والتعليم والظروف المناسبة لخيرة عقول الأمة، وتدفع من يحكموننا دفعا للتخلى عن الأنانية المفرطة، تلك الصفة البشعة التى يتصف بها كل من تقلد منصبا رفيعاً. ختاما هذا ما أظنه يهم الشارع المصرى والعربى، إن لم أكن أحلم للمرة المليون، وسأظل أحلم وأحلم، حتى يتحقق هذا الحلم بإذن الله، ولو طال الانتظار، والله من وراء القصد..