لم أستطع استيعاب ما قاله رئيس السلطة الفلسطينة محمود عباس أبومازن أمس أمام وزراء الخارجية العرب فى جلستهم الاستثنائية بالقاهرةا من أنه لم يعد لديه شريك فى إسرائيل يستطيع أن يتعاون معه لاقرار العملية السلمية وحل القضية الفلسطينية، فما قاله أبومازن من البديهيات لأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بجميع توجهاتها السياسية وأيدلوجياتها لم يكن لديها رغبة فى قيام دولة فلسطينة مستقلة وعاصمتها القدس، واعتقد أنه لن تأتى هذه الحكومة التى يتمناها أبومازن لا اليوم ولا فى أى يوم آخر. وكلى يقين أن أبومازن وطاقمه المفاوض يعلمون ذلك جيداً، فنتنياهو مثل باراك وأولمرت وشارون وليفنى ومثل أى رئيس حزب إسرائيلى لن يكون من أولوياتهم الإقرار بحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم، لذلك من العبث أن يلاعب أبومازن العرب بهذه الألفاظ التى يظهر فيها أنه الشخص المغلوب على أمره، والذى لا يستطيع أن يحرز أى تقدم فى ظل وجود حكومة إسرائيلية يرأسها نتنياهو. ما قاله الرئيس الفلسطينى أمام الوزراء العرب هو نوع من إقرار الواقع الذى مللنا من سماعه من القيادة الفلسطينية التى يبدو انها ليست لديها القدرة على ابتداع الوسائل التى تمكنها من إحداث خلخلة فى الموقف الإسرائيلى والامريكى الداعم لتل أبيب، فكل ما تقوم به هو ترديد لبعض الجمل السياسية والتهديدات التى لا طائل من ورائها. ليس مطلوباً من أبومازن وطاقمه المفاوض أن يهدد إسرائيل من على منصة جامعة الدول العربية، بانه سيلجأ إلى مجلس الامن، لكن المطلوب منه أن يتحرك بالفعل إلى نيويورك ويتقدم بطلبه إلى الأممالمتحدة، لانه دون خطوات فعليه، فلن تتحرك إسرائيل ولا داعموها، طالما اطمأنوا أن السلطة الفلسطينية وصلت إلى حالة من المهادنة لا تستطيع معها أن تنفذ أى كلمة او تهديد تفوهت به. نعم تحتاج السلطة الفلسطينية لدعم عربى فى تحركاتها الدولية، لكن هذا الدعم لابد أن يكون مبنى على خطة واضحة يحددها الفلسطينيون أنفسهم، وان يكون هناك توافق فلسطينى داخلى بدلاً من حالة التمزق والتشرذم التى ستقضى حتماً على القضية، فاستمرار حالة الانقسام ليست فى صالح أحد، وعلى أبومازن باعتباره رئيساً للسلطة الفلسطينية أن يتخذ قراراً شجاعاً باستكمال ملفات المصالحة لأنه المسؤول عما وصل اليه الحال ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.. مسؤول لأنه رئيس فلسطين وعليه أن يترفع عن الصغائر ويتعامل ككبير للفلسطنيين لا أن ينزل بنفسه وبالسلطة الفلسطينية إلى منحدر التراشقات الإعلامية غير المفيدة للفلسطنيين. أنا لا أهاجم أبومازن ولا اتجنى عليه، لكن عليه من جانبه أن يغير من تكتيكاته التى أصبحت معروفة للجميع، وأوصلت القضية الفلسطينية إلى ما هى عليه الآن.. عليه أن يتحرك وفقاً لما تحتاجه المصلحة الفلسطينية دون انتظار لأحد، كما فعل فى منظمة اليونسكو التى حصل لفلسطين على عضويتها رغم الاعتراضات والتهديدات الأمريكية التى وصلت إلى وقف واشنطن إمداداتها المالية للمنظمة الدولية بعد قرارها بقبول عضوية فلسطين. الفعل وليس القول أو التهديد هو ما نحتاجه فى الوقت الراهن، وهو ما يجب أن يقوم به أبومازن ومن معه، وان تساعده عليه بقية الفصائل الفلسطينية التى عليها أن تتخلى عن اجنداتها الخارجية وتتعامل مع فلسطين ولو لمرة واحدة على أنه وطن فى مهب الريح، أو أن يتنحى الجميع جانباً لأجيال أخرى تستطيع أن تتعامل مع القضية بالقدر الذى تستحقه.