منذ أن تولى الدكتور سيد طنطاوى مناصب قيادية بالمؤسسة الدينية المصرية، وجدنا مواقفه وفتاويه تثير جدلاً واسعاً فى الأوساط الفقهية، حيث خاض الرجل أكثر من معركة، ضد زملائه من علماء الأزهر، حسبت جميعها لصالح الدولة، وكان أشهرها فتوى إحلال فوائد البنوك، التى أقامت الدنيا فى مصر والعالم الإسلامى. وعلينا أن نعترف أن هناك اختلافاً كبيراً بين مواقف شيخ الأزهر العلمية والشرعية قبل أن يتولى المناصب الرسمية، وبعد تولى منصبه كمفتٍ للديار المصرية وشيخ للأزهر، فالرجل قبل أن يتولى هذه المناصب كانت كتبه تنبض بالعلم الخالص لوجه الله، وكان يصدع بالحق دوما، لكن بعد أن تولى منصبه وجدنا له مواقف تناقض كل مواقفه السابقة، فقد انقلب على كل كتاباته وفتاويه السابقة، واسمحوا لى أن أسوق لكم بعض النماذج لهذا الاختلاف. وسأبدأ بموقفه من النقاب، حيث نجد أن شيخ الأزهر قام بإعداد تفسير للقرآن يعرف باسم التفسير الوسيط، ويدرس حاليا بالمعاهد الأزهرية، وقد أكد فيه شيخ الأزهر أن النقاب أمر أصلى فى الإسلام واسمحوا لى أن أنقل نص كلام الرجل فى تفسيره كما هو بدون تدخل فى تفسير »يَا أَيُّهَا النَّبِى قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) (الأحزاب:59) وعن ذلك يقول الشيخ طنطاوى «وقوله: (يُدْنِينَ) من الإِدناء بمعنى التقريب، ولتضمنه معنى السدل والإِرخاء عُدِّىَ بعلى. وهو جواب الأمر، كما فى قوله تعالى «قُلْ لِعِبَادِى الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ» (إبراهيم:31) والجلابيب: جلابيب: جمع جلباب، وهو ثوب يستر جميع البدن، تلبسه المرأة، فوق ثيابها. والمعنى: يأيها النبى قل لأزواجك اللائى فى عصمتك، وقل لبناتك اللائى هن من نسلك، وقل لنساء المؤمنين كافة، قل لهن: إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن، فعليهن أن يسدلن الجلابيب عليهن، حتى يسترن أجسامهن سترا تاما، من رؤوسهن إلى أقدامهن، زيادة فى التستر والاحتشام، وبعدا عن مكان التهمة والريبة». هذا هو كلام الشيخ طنطاوى الذى نهر طالبة بمعهد أزهرى لأنها ترتدى النقاب، بل قام بإجبارها على خلع نقابها، وأكد أن النقاب ليس من الإسلام، وتهكم على شكلها، كما نجد شيخنا الجليل أقر رسالة دكتوراه لأحد طلبة العلم بكلية الدعوة الإسلامية تؤكد فرضية النقاب، والرسالة موجودة حتى الآن فى مكتبة شيخ الأزهر، بل لم يكتف شيخ الأزهر بذلك، بل سبق موقفه هذا موقف آخر أشعل غضب الجميع من أبناء أمتنا عندما أقر فرنسا على قانون خاص يحرم على المسلمات ارتداء الحجاب فى فرنسا، بل وطالب المسلمات فى الغرب بالخضوع للقوانين التى تحرم عليهن ارتداء الحجاب فى البلاد التى يعشن فيها!. واسمحوا لى أن أنتقل لموطن آخر من تناقض مواقف الرجل وهو موقفه من اليهود، حيث تبنى العالم الأزهرى د. طنطاوى، فى أول رحلته العلمية مواقف أثنى عليها الجميع فى رسالته للدكتوراه «بنو إسرائيل فى القرآن الكريم»، حيث أظهر هؤلاء على حقيقتهم التى أقرها القرآن، وحذر من مكرهم وطالب بمقاطعتهم حتى ترد حقوقنا كاملة، لكن الرجل بعد أن تولى منصبه كشيخ للأزهر قام بمصافحة بيريز رأس الدولة اليهودية، بل واستقبل وفد حاخامات يهود بمقره بالأزهر الشريف، وجمعه أكثر من مرة لقاءات مع رموز يهودية، وكأن الرجل تناسى كل ما كتبه عن اليهود وما حذر منه الأمة. عفة اللسان كانت أهم صفات الرجل قبل أن يتولى منصبه، فكان الجميع يثنى على تعامله مع طلابه وزملائه، لكن الرجل بعد أن تولى منصبه وجدنا سقطات عدة فى تصريحاته، فتارة يصف زملاءه من العلماء الذين اختلفوا معه فى فتوى فوائد البنوك بأنهم «سنكرية»، وتارة يعتدى على بعض الصحفيين، وأخيراً يتهكم على شكل الطالبة التى أجبرها على خلع النقاب. ثم وجدنا د. طنطاوى خلال الأسبوع الحالى، يخرج علينا بفتوى تعد من المعلوم بالدين بالضرورة، ومضمونها أن من يسىء إلى أحد من صحابة الرسول أو يسبهم مصراً أو متعمداً فهو خارج عن ملة الإسلام، مؤكداً أنه سيطلب توصية من مجمع البحوث الإسلامية بتأييد هذا الأمر، وذلك خلال افتتاح المؤتمر السنوى الرابع عشر لمجمع البحوث الإسلامية، مؤكدا أن صحابة رسول الله هم عدول ولن نرضى لأى منهم بالإهانة أو الشتم، مشيرا إلى أن هذا المؤتمر منعقد من أجل التحاور حول مكانتهم فى الإسلام وقيمتهم العلمية والدينية. وقد اعتبر البعض أن ذلك الأمر موقف موجه نحو الشيعة المتشددين، والذين تعودوا على التطاول على أصحاب الرسول. لكنى أرى أن موقف شيخ الأزهر وفتواه الأخيرة، تستهدف هدفين، أولهما: محاولة التصدى للنفوذ الشيعى الذى بدأ يهدد بعض الدول العربية ومنها مصر وأقلق كثيرا النظام المصرى خاصة أن هذا الأمر يعد امتدادا للنفوذ الإيرانى فى المنطقة، وإن كنت متفقًا تمامًا مع هذا التوجه لكن يأتى رفضى له من باب ارتباط توجهات شيخ الأزهر بتوجهات الدولة دون الارتباط بالنواحى الفقهية. أما الهدف الثانى فأجده يصب فى محاولة تحسين صورة الرجل أمام جماهير السنة وكسب أرضية جديدة بين العلماء والفقهاء، من أجل أن تغطى على فتاويه المثيرة للجدل فى الأوساط الفقهية. وما نتمناه أن يعود الرجل لسابق عهده، ولا يخدم العلم إلا للعلم ابتغاء مرضاة الله لا مرضاة النظام الحاكم.