شايفة البنت دى؟ دى بنت فلان وخطيبها ... قالتها إحدى الفتيات لزميلتها التى نظرت نحوى مبهورة.. قالتها دون أن تعرف كيف أوجعنى ما قالت. سامحها الله! كنت وقتها طالبة جامعية متفوقة، مؤدبة، محبوبة، أنيقه، مثقفة.. كل هذا لم يكن ليشفع لى عندهن، كل ما كان يعنيهن مركز أبى ووظيفة خطيبى، حتى لو لم يكن لى فضل فيما وصل إليه والدى، وحتى إن كنت لا أطيق ذلك الخطيب. ولو أننى كنت واحدة من الطفيليات التى تستعمر الشوارع والجامعات و البيوت الشرقية لفرحت ورفعت رأسى أتباهى بين قريناتى بأبى وعمى وخالى، ولكن المشكلة هى أننى لم أكن يوما دودة بلهارسيا ولن أقبل أن أكون. لست كائنا طفيليا يتغذى على جسد العائل، ولا حيوانا أليفا ينسبونى إلى أبى ثم إلى زوجى، وإنى فى غاية الاندهاش ممن يتفاخرن بالعيش على دماء من حولهن من الذكور وما أكثرهن! إن كان بداخلى كرامة ونبل ما الذى يدفعنى لامتهان نفسى وتحقير شأنى؟ إن كان لدى من الأجنحة زوجان يحلقان بى إلى سماوات النجاح والطموح والحرية فمن الطبيعى ألا أفهم أبدا من ترتضى لنفسها عيش الجحور مثلها مثل الديدان والقوارض. بكل صراحة وبكل مرارة أقولها : نعم .. نصف نساء الشرق ديدان بلهارسيا تحترف امتصاص دماء الرجال حتى لو كانت دماء فاسدة، إنهن لا يدركن للعمل قيمة إلا لو كان عملا للإيقاع برجل ولا للنجاح لذة اللهم إلا النجاح فى إيجاد زوج تتغذى على دمائه بقدر ما يريد الله لعلاقتهما الاستمرار. كم أحتقر المرأة التى تستجدى الرجل ليمنحها حياة كريمة وتنسى أنها هى التى منحته الحياة، كيف للجذر أن يكون غاية سعيه التحول إلى فرع؟ كيف استسلمت جيوش الرجال والنساء لهذا الواقع الكريه ؟ وأى معاهدة حمقاء تلك؟ خذى من دمى ما تشائين وأعطينى من كرامتك وآدميتك ما أشاء!! اقتلينى ببطء مقابل أن أحولك إلى حشرة لا قيمة لها بدونى! لماذا نصر دائما على تحويل أروع الأواصر الإنسانية إلى قيود وعلاقات مريضة ومختلة؟ فى ذلك اليوم الذى اختزلتنى فيه إحداهن إلى شىء ينتمى إلى مالكه اكتشفت حقيقة مشرقة، كشفها لى غضبى لكرامتى واعتزازى بكينونتى وما أنا عليه من صفات ذاتية وقدرات لم يصنعها أبى ولم يكن لذلك الخطيب أى فضل فيها، وفورا قررت الابتعاد عن أى عائل حتى لو أصر هو على التشبث بى وإغوائى بالغذاء الوفير السهل. نعم جعت كثيرا وتألمت كثيرا وأنا وحدى فى عراء الدنيا ولكننى مع كل لحظة جوع ومع كل دمعة ألم تحملتها وحدى كنت أشعر بإرادتى تتجلى فى أبهى حالاتها لتثبت لى ولمن حولى أننى إنسان كامل الأهلية وأننى أستحق وعن جدارة أن أصنع قدرى وأكتب سجل حياتى كما أراد الله لى – بكرامة وعزة وشرف.. فى ذلك اليوم البعيد تأكدت أننى لست دودة بلهارسيا.