قدم الروائى الفرنسى باتريك موديانو فى رواية "مجهولات" المترجمة للعربية عام 2006، وصادرة عن دار ميريت للنشر، وترجمتها رنا حايك، ثلاثة لوحات نسائية، لثلاثة فتيات تائهات فى خضم الواقع، يعانين الإهمال وصقيع الوحدة، والضياع فى غربة واسعة داخل النفس وخارجها، وهن ثلاثة نساء ضحايا لأسر مفككة وعلاقات إنسانية مبتورة، وهن يفتشن عن معنى لوجودهن فى الحياة، والثلاث يبحثن عن معنى لحياتهن فى علاقات مبتورة، لا تختلف كثيرًا عن حياتهن السابقة. وضياع هؤلاء البطلات هو ضياع الفرد بشكل عام فى عصر يتفنن فى الازدواجية وأوهام الأحلام المنهارة تحت عجلة المدينة الصاخبة يمضين حياتهن فى "توهان"، وافتقاد لكل معنى الألفة، والائتلاف العاطفى الإنسانى، نساء متوحدات، متوحشات يعشن فى انغلاق نفسى بعيد عن أى تواصل، ويصعب اختراقهن وملامستهن والوصول إلى قرارهن، لا يعرفن معنى لوجودهن ولا معنى للوجود برمته، وليس لديهن أى تفسير، أو تساؤل لمعنى الحياة، وكيف يقتنصن العيش فيها، لا يعرفن ماذا يردن، وما هى غاياتهن منها. تقرأ حكاياتهن التى تُشعر القلب بالعطب، وأن هناك شيئًا ما غير عادى فى حياتهن، لكن واقع السرد لا يعكس حجم مصيبة ما، أو كارثة حلت عليهن وغيرت من واقعهن، وجعلت منهن مسخًا يمشى فى واقع سوداوى خالٍ من الأفق، بل إن كل منهن حصلت على قدر وافر من التعليم، وملكت كامل حريتها من عمر صغير، وأهمها حرية القرار واختيار المصير، وسهولة التنقل بين المدن، باريس ولندن وسويسرا وأسبانيا. ثلاث فتيات تشابهت وقائع حياتهن وسير مصائرهن، وإن لم توجد أية معرفة بينهن، فكل منهن فقدت والدها فى ظرف ما، وتركتهن أمهاتهن فى مدارس داخلية أو ملاجئ، عانين الهجرَ وفقدان الاهتمام والرعاية ودفء العاطفة، وعدا عن هذا فكلهن حصلن على قدر من التعليم، ومكان للعيش والسكن، ولم يعانين الجوع بمعناه الواسع، لكنهن لم يمتلكن أيضاً الرفاهية أو الشعور بالراحة والاطمئنان، ولم يكملن تعليمهن العالى، واتخذن قرارهن بترك دراستهن والبحث عن عمل بمحض إرادتهن، لكنهن فى الواقع كنَّ بلا أية أحلام أو أهداف أو حب. باريس ولندن وسويسرا وإسبانيا فى هذه الرواية لم تكن إلا مدنًا قبيحة كئيبة حزينة باردة وبائسة، كل ناسها غرباء باردون وحيدون بلا أية عاطفة، يمضون حياتهم فى ضياع تام؟ هذه الرواية تحمل فى سطورها دراما اجتماعية واقعية لحياة مدن صاخبة، أضواء وسيارات وحانات، وقصص لمجهولين عاشوا واختبروا وتألموا، ثم تعلموا. موضوعات متعلقة فوز باتريك مودينو ب"نوبل للآداب" يؤكد: الجائزة تنتصر للرواية وتخاصم الشعر