نقلا عن اليومى.. قدمت الأعمال الدرامية المصرية صورة عبدالناصر بطريقة أقرب إلى الواقع والصدق الفنى، لكن نستطيع أن نؤكد أنه لم يكد ينجح أحد فى اختبار كاريزما عبدالناصر سوى خالد الصاوى فى فيلم «جمال عبدالناصر» 1998، فقد جرؤ بعض الممثلين على القيام بدور الزعيم جمال عبدالناصر، منهم الفنان أحمد زكى فى فيلم «ناصر 56» 1994، ورياض الخولى فى مسلسل «أم كلثوم» 1999، وفى مسلسل «فارس الرومانسية» 2003، ونبيل الحلفاوى فى مسلسل «أوراق مصرية»، ومجدى كامل فى مسلسل «العندليب» 2006، ومسلسل «ناصر» 2008، والممثل حمادة بركات فى مسلسل «كاريوكا» 2012، والفنان السورى جمال سليمان فى المسلسل التاريخى «صديق العمر». وبالرغم من أن كل ممثل حاول باجتهاد أن يؤدى شخصية الزعيم فى أتم صورة وأكمل أداء فإن خالد الصاوى فى فيلم «جمال عبدالناصر» للمخرج أنور القوادرى، ومن بطولة هشام سليم، وطلعت زين، وعمرو عبدالجليل، وعبلة كامل، استطاع أن ينفذ إلى مساحة كبيرة ليس من شخصية الزعيم فحسب بل من روحه التى بثها فى العمل على توثيق حياة الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر، وما حفلت بها فترة حكمه من أحداث كبيرة، وعلى الرغم من أن ذلك الفيلم لم يأخذ حقه تماما فى الدعاية أو حتى العرض فإنه قدم بالفعل جانبا مهما من شخصية الزعيم جمال عبدالناصر بصورة إيجابية تماما وبوعى وفهم من خالد الصاوى لأبعاد الشخصية؛ لذا فقد اتخذ من البداية طريقه فى الأداء بحيث يأتى متناسبا مع فكر جديد فى تقديم الشخصية التاريخية، فهو لم يحاول أن يقلد الشخصية فى الأداء الحركى أو الصوتى كما فعل أحمد زكى مثلا، لكنه اكتفى بالماكياج الذى يقرب صورة الزعيم للأذهان، ثم اعتمد بعد ذلك على أدائه هو للشخصية دون أن يجعل حركات وسكنات الشخصية هى التى تطغى على أدائه؛ فنجا بذلك من فخ تقديم الشخصية التاريخية بطريقة المنولوجست الذى يقلد الشخصيات دون أن ينفذ إلى روحها، حيث إن طريقة المنولوجست هذه سيطرت على تقديم الكثير من الممثلين للشخصيات التاريخية؛ مما أخرج صورة مشوهة للشخصية دون أن ينفذ بالفعل إلى جوانبها المهمة المراد إعادة بثها بطريقة الممثل ذاته على الشاشة، لذا كان نجاح الصاوى فى ذلك الدور الذى يعد من أبرز ما قدمه الصاوى للسينما. ونستطيع أن نلحظ الأداء السهل السلس المتناغم والصعب الإتيان به من خلال بعض مواقف الشخصية، فعندما يعود عبدالناصر لمسكنه ويجد أولاده الصغار يلعبون بالكرة ويتبسط معهم فى الحديث ويعدهم بأن يلعب معهم ويهزمهم، فتتحدث معه زوجته «عبلة كامل» عن ظروف مرضه، وتكتشف أنه بالفعل مريض، فتؤكد على ضرورة أن يراعى نفسه فى عمله وألا يجهد نفسه فى العمل، هنا تظهر عبقرية الصاوى الذى ينظر إليها بنظرات فيها بعض الدمع الحبيس نتيجة إحساسه بالمسؤولية الثقيلة الملقاة على عاتقه فى تلك الفترة العصيبة جدا، فكانت الدموع من أجل مصر فى قمة الروعة وليست من جراء المرض مما بث فى الموقف روح عبدالناصر الوطنية العظيمة، فقد استطاع الصاوى أن يعطى بعضا من روح عبدالناصر وليس من أسلوبه فى الحديث مثلا، فكانت نظراته معبرة عن مدى المشقة فى التحمل مع القدرة عليها فى ذات الوقت، وعندما جاء للزعيم اتصال تليفونى فى وقت متأخر من الليل من مسؤول الخارجية الروسى يحدثه فيه عن بعض المعلومات عن دور أمريكا وإسرائيل ضد مصر، وما يجب أن تتخذه مصر من إجراءات، هنا تظهر الملامح الجادة والكلمات الواثقة فى نبرة صوت خالد الصاوى وليس صوت عبدالناصر الذى كان يستعين به بعض الممثلين للشخصية، فاستطاع الصاوى من خلال صوته الطبيعى أن يحمل للمشاهد بعضا من صفات عبدالناصر مثل القدرة على التحمل والعمل الشاق تحت أى مؤثرات مختلفة وضغوط متنوعة. وقد استطاع الصاوى أن يحل المعضلة الخاصة بكاريزما عبدالناصر تلك التى لم تجعل يوسف شاهين يخرج فيلما عن جمال عبدالناصر رغم إعجابه به، فقدا سئل عن ذلك الأمر فأجاب بأنه: «لا يوجد ممثل يتمتع بكاريزما جمال عبدالناصر ولا قبوله»، ولو شاهد القدرة الفنية ودور الصاوى فى ذلك العمل لاقتنع بأنه بالفعل وجد من لديه تلك الكاريزما والذى استطاع أن يؤدى بعضا من روح عبدالناصر فضلا على شخصيته.