ضمن سلسلة مناقشات الأعمال الإبداعية، بمعرض الكتاب، عقدت ندوةً لمناقشة رواية الوباء للأديب الطبيب شريف حتاتة، والصادرة عن دار ميريت، وشارك فيها الناقد د.حسام عقل، والناقد عمر شهريار، والناقد العراقى طارق الطائى، وأدارها عبد الناصر حسن. أشار حسن إلى تشكل غلاف الرواية إلى مجموعة من الدلالات، والتى تشى بنوع من الرماد الذى يخفى وراءه الهرم، وأيضًا فقد صرح الكاتب عن مضمون الرواية للقارئ ليدل له على خطورة الأمر، وهذا الوباء. وتابع، إن فكرة العودة فى الرواية ليست عادية، بل هناك نزوح لانتقال الجسد، والبطل الذى ينسحب برحيل نفسى إلى ماضٍ بعيد يراه الإنسان أحيانًا فى أحلامه ولا يستطيع أن يحققه، وعندما ذهب البطل إلى الريف وجد السوس ينخر فى جسد الريف المصرى، بدلالات عديدة، وأوضح الارتباط الحميمى بين الفلاح المصرى وأرضه انتزع ولم نعد نجده. وأضاف، إن عودة البطل إلى الريف تبشر بمسيح جديد، لأن الكاتب يريد أن يقول عودة هذا الإنسان فى الاكتشاف لابد أن تكون من الجذور الأصلية، وبالتالى كان الحنين إلى الريف للبحث عن الروح الطيبة التى تحتضن الإنسان فى العصر الحديث. أما عن لغة الرواية، قال حسن هناك مزج بين اللغة العامية والفصحى التى زاوج بينها وبين الدلالات التى تعطى مصداقية لدى القارئ ولمن عايشوا الريف، كما يكشف العمل عن دعوته لإعطاء الحقوق للسيدات وإعطائهن فرصتهن فى الحياة للعمل دون وجود قيد يحدد مجالات إبداعاتهن، وأيضًا ففى النص رؤية تمزج بين الواقع والخيال، إضافة إلى وجود شخصيات كثيرة تلعب دور البطل مثل "عزة الغندور، محمود الصياد ووالدتهما، وغيرهما"، والتى لا نجدها كثيرًا فى الأعمال الروائية. وأكد الطائى أن الخطاب الروائى لشريف حتاتة يعطى لذة فى البحث عن المكشوف عنه فى النص وغير المكشوف، فما يحمله النص من شفرات يتحمل قراءات متعددة وتأويلات عديدة لا تجرح النص، بل تعطيه وجهات نظر أوسع، فالنص لدى شريف حتاتة ملىء يتحول إلى شكل من أشكال جهاز الإرسال، وعلى المتلقى أن يعيد تأويلها، وفك رموزها، فإذا أردنا أن نفهم البعد الأيدلوجى السردى، علينا أن نفك شفراته ورموزه ولا نكتفى بقراءته فقط. وتابع الطائى، هناك بنية صراعية فى الرواية بين قوى الخير والشر، والحدث الدرامى المحرك له هو ائتلاف قوى الشر، مثل الشركات المتعددة الجنسية، الشركة العالمية للإنتاج الزراعى، وهذا الائتلاف كله هو الذى يحرك الحدث الدرامى دون بوح الكاتب. وأوضح أن الملفت فى أعمال شريف حتاتة، فهناك خيط ينظم كل هذه الأعمال، فهو يختزل واقع الحدث عبر انفلاته فى واقع فانتازى مسكوت عنه، وواقعية غرائبية سحرية، يمتاز عمله بهدوء رقيق، لكن الناقد لا يسهل عليه التعامل مع نصه، فإذا ما أردنا حذف أى صفحة من هذه الرواية أصيب النص بخلل، ولم يستوعب الناقد أو القارئ ما يريده شريف حتاتة. وأضاف عقل فى كلمته "أعتبر أن هذه الرواية شهادة على مرحلة العولمة، فرموز الرواية تتكشف كلما تعمقنا أكثر وأكثر، فهناك فى الرواية رموز كثيرة تدل على العولمة منها ركوب أحد أبطال الرواية السيارة ليكسس"، وتابع، ذكرتنى هذه الرواية بمصطلح إلياس مرقص تاريخ الأحزاب الشيوعية الفجر الأحمر القادم، هو استخدم فى مطلع القرن الماضى، وصفوت بسيونى فى الرواية يمثل مطلع القرن القادم، فهناك ثمة تأكيد على وجود خراب يوضعه الراوى العليم برموزه "ثمة شىء ما يقرض الخشب". وأوضح عقل أنه عندما يكون لديك فكر سابق بأن حتاتة من أحد منظرى الفكر اليسارى فعليك أن تعدل وجهة نظرك وتسلك فى درب شريف حتاتة، كما استخدم حتاتة ما يعرف فى علم السرديات "بسرد الغائب" وأن ما يميز هذه الرواية هو براعة الصورة القصصية شديد التجسيد، فالكاتب يسلم من حدة الصورة القصصية أو الروائية التى يقع فيها كثيرون، وأوضح أن حتاتة أبدع فى رسم صورة الاعتقال، وعسكرة المجتمع، كما برع فى استخدام سخرية القلم المصرى، وذلك فى رسمه صورة "التلصص"، وأحيانا ما يلجأ الكاتب إلى الصورة المتدفقة، المتتابعة بشكل متتالى، فهو جعل تدفقات اللاوعى من بدء الرواية، فلا يجب أن نسأله عن السببية فى تتابع الصور القصصية، لأنه برع فى إفلاتها بدون عمد، وتلاعب فيها "على صوت يشبه منشار، تحول بعد قليل إلى ذبذبات تهز الأرض..."، لقد كتب حتاتة عن الريف بتضاريسه وجغرافيته فلا يمكن للقارئ أن ينسى صورة النسوة الجالسات وهن يحكين، كما لم يغفل فى رسم الشخوص الثانوية "عزو الغندور، خديجة أم مبروك، وغيرهما". وأوضح عقل أن أول إشارة للزمن فى الرواية جاءت فى صفحة 43 عندما تحدث مجموعة من الشباب عن مسلسل إمام الدعاة. وعن الحركة فى الرواية، أوضح عقل أنها أخذت شكل القصة البوليسية، وظفها بإيقاع قصصى وهو جمع قدرتين الإسراع والتباطؤ لابد أن يجمع بينهما الكاتب المبدع، وتابع "مما أراه تفسير الماء بالماء هو ما رسمه المؤلف عندما دخل التليفزيون القرية وتأثيره على القرية المصرية، وأرى أن الرواية شهادة شريف حتاتة على حقبة العولمة". قال شهريار ربما يظن القارئ أن الرواية تمثل موقفا سياسيا، ولا تتمتع بسماتٍ إبداعية، ولكن رصدت لعدة أوبئة نعيشها، مثل الوباء الاقتصادى والإسلامى والسياسى، فنرى فى الرواية مثلا دعوة لإعادة الدين الإسلامى الصحيح. وأوضح شهريار أن هناك ثمة اتكاء على الغناء الشعبى، وأن الرواية اعتمدت على فكرة الحوار بشكل كبير.