لفت انتباهى عنوان خبر يتحدث عن سعى الحكومة شراء ثلاثة آلاف أتوبيس جديد للقاهرة الكبرى بقيمة 4.7 مليار جنيه على مدار 3 سنوات لحل مشكلة المرور بالقاهرة، وسألت نفسى هل حل المشكلة فى تسيير أتوبيسات جديدة أم فى ماذا؟ هل طرق وشوارع العاصمة مازال فيها مكان لقدم مواطن يسير مترجلاً فى الطرقات والدروب، لكنى حين أكملت قراءة بقية الخبر ارتحت كثيراً عندما وجدت أن اجتماع الحكومة الذى عقد لمناقشة تلك المشكلة، ضم الأستاذ الدكتور أسامة عقيل أستاذ الطرق والمرور بجامعة عين شمس، فهذا الرجل أعرفه جيداً وجمعتنا الصدفة حين شاهدته لأول مره وهو يشرح مخطط تطوير ميدان المؤسسة بشبرا الخيمة أمام المهندس إبراهيم محلب وقت أن كان وزيراً للإسكان، وبصراحة وقتها كنت أسمع عن اسمه فقط ولم أتعرف عليه شخصياً ولكنى حين استمعت إلى رؤيته وجدتها براقة ومتطورة. وناقش مجلس الوزراء ثلاثة محاور لحل الأزمة، أولها رفع كفاءة الطرق وثانيها زيادة عدد الجراجات والمقترح الأخير اعتمد على رفع كفاءة مترو الأنفاق. فى الحقيقة الحلول المقدمة ليست جديدة فقد سمعنا عنها فى الماضى، ولكنى أعتقد أن آليات التطبيق وخطوات التنفيذ ستحتوى على فكر جديد، خصوصاً وأن الدكتور عقيل دائماً مايفكر بشكل مختلف فى المشكلات المزمنة التى تعانى منها مصر على مدار عقود طويلة، وبالتأكيد هناك رؤية جديدة سيتم طرحها للتنفيذ فى هذا الشأن. المحاور الثلاثة التى تناولها اجتماع مجلس الوزراء شملت حلان تقليديان إلا فى نقطة دخول الأتوبيس بدورين ذات السعة الكبيرة للخدمة، وأعتقد أن فكرة الأتوبيسات ذات الدورين رفضت من قبل بسبب طبيعة الشوارع وضيقها وعشوائية المبانى وعدم مراعاة هذه الارتفاعات الجديدة للأتوبيسات للعبور من تحت كبارى لا يزيد ارتفاعها عن أربعة أو خمسة أمتار، وربما أقل من ذلك فى بعض الأماكن، حتماً هناك دراسات سابقة أعدت بشأن تلك الفكرة، ولكنى أجد الاقتراح الثالث والخاص برفع كفاءة مترو الأنفاق أصبح بالفعل مطلباً ملحاً، خاصة فى ضوء الضغط المتزايد من قبل مستخدمى هذا المرفق الحيوى بسبب زيادة عدد المواطنين المعتمدين عليه اعتماداً كلياً لسرعته وانخفاض تكاليفه، وفى الفترة الأخيرة أصبح المترو يعانى بشدة من الإهمال وتهالك مرافقه، وخاصة فى عمليات الصيانة لشبكة الكهرباء مما يعرضه للأعطال على مراحل متباينة ومتكررة الأمر الذى يحدث أزمة كبيرة، ويؤثر بشدة على حركة المرور فوق الأرض. لذلك لابد أن تسير مقترحات التطوير والتحسين الثلاثة فى اتجاه واحد ومتزامن، مع ضرورة إعطاء الأولوية لرفع كفاءة المترو لأنه أصبح ضرورة ملحة لا يمكن الاستغناء عنها ولو للحظات، وإيجاد حل جذرى لمشكلة الباعة الجائلين الذين يغلقون الشوارع أمام حركة السيارات ببضائعهم لأن تلك النقطة تمثل نصف القضية تقريباً، وإن كانت الحكومة بدأت بالفعل، ولكن لماذا التأخر فى تطبيق الأسواق المجمعة لبائعى الشوارع لنلمس المردود الإيجابى لذلك على أرض الواقع، وإن كنت أرى أن الحل لأزمة المرور لن يحدث إلا بإخراج عوامل الجذب المتمركزة من داخل القاهرة، وإبعادها إلى مناطق جديدة مثل تلك التى تمس مصالح الناس وتعاملاتهم الحكومية اليومية، ولابد أن يتعدى طموح الحكومة إلى ما هو أكبر من وجود الرغبة لديها، وتصر على ذلك مهما كان الانتقاد الذى ستواجهه. يجب على الحكومة مواصلة سعيها فى البحث عن حلول مبتكرة غير تقليدية فى حل أزمة المرور ومشاكلها المتعددة، والاستعانة بباحثين علميين آخرين على شاكلة الدكتور أسامة عقيل واستنباط خلاصة أفكارهم وأبحاثهم التى تسعى وبصدق وحب لهذا الوطن لإنتشاله من مشاكله والعبور به إلى آفاق جديدة من التقدم والنمو.