نعيش أزهى عصور الشحن، المواطن عليه أن يهتم بشحن «موبايلاته، ولابتوباته ولمباته وأيباده»، وهى عادة طبيعية فى الأوقات الطبيعية لأن «نسيان شحن ما» ينغص على المواطن يومه ويفصله عن العالم والآخرين، ويعطل مصالحه. لكن قضية الشحن مع انقطاع الكهرباء أصبحت قضية استراتيجية، وبين مرات قطع الكهرباء ينشغل المواطن بشحن كل أجهزته القابلة للشحن. حتى يمكنه مواصلة فترة الانقطاع بنجاح. ويقضى فترة انتظار عودة الغائب المقطوع. وأصبح المواطن يعيش على الشحن ويبحث عن أجهزة تعمل بالشحن، مراوح وبطاريات، وكشافات، كلها جعلت العصر هو عصر الشحن بامتياز. يقضى المواطن نصف وقته يشحن والنصف يفرغ الشحن، «إشحن نفسك قبل القطع وبعده». ومن الشحن الكهربائى، للشحن السياسى، تحولت أزمة انقطاع الكهرباء إلى مجال لتصفية الحسابات، حسب نظرية «حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنالك الغلط»، وبعد أن تحولت السياسة من المنافسة للعداء. مؤيدو الإخوان يمارسون الشحن ضد الرئيس والحكومة، ويترحمون على أيام مرسى، ويرد مؤيدو 30 يونيو أنهم غاضبون ولايشجعون تخريب المحطات والأبراج مثلما يفعل أنصار الشحن. وبين هؤلاء من يرفض بلع الزلط، أو الصمت على الفشل. والبعض لم يعد فى حاجة لشحن، فالمواطن مشحون خلقه، مشحون بغضب وزهق وملل، من توسع مشكلة الكهرباء بلا أفق للحل. وقد تقبل هذا المواطن فكرة تخفيف الأحمال، والانقطاعات المتفرقة للتيار خلال الشهور الصيفية، فى انتظار وعود بأن تنتهى الأزمة، لكنها لم تنته ولا يبدو لها أفق. وأصبح تفريغ الشحن فى تنكيت وصراخ وغضب. ويقارنون بين انقطاعها أيام حكومة قنديل وكيف تحول إلى «هشام قطونيل». هناك من يحاول البحث عن مخرج للحكومة، ويقول إننا طوال ثلاث سنوات ونصف لم نفتتح ما كان يفترض أن نفتتحه من محطات، ويبالغ البعض بتحميل الثورة مشكلة الكهرباء والخراب، وهو نوع من الشحن المضاد، معه شحن الجماعة بأن الكل كان يهاجم مرسى وقنديل بسبب انقطاع لم يكن مثل اليوم. ويقول العقلاء إن الأزمة بدأت من السنوات الأخيرة لمبارك، وإن الكل كان يتوقع الأزمة مع تزايد الاستهلاك، وعلينا أن نتحمل. الشاهد أن الشحن مستمر، بعضه سياسة وأغلبه شحن الغضب من حالة ظلام غير مسبوقة، وعجز من وزارة الكهرباء، وغياب للحكومة ورئيسها، والأغلبية تتوجه للرئيس وتطالبه بالتدخل، قبل أن يتجاوز الشحن مناطق الأمان. وفى كل الأحوال فإن الأزمة أصبحت أزمة شحن وتفريغ على فيس بوك وتويتر. وهو تفريغ قد لايكفى كثيرا لتشغيل أجهزة الصبر.