نقلا عن اليومى.. أظنك تعلم أن مصر عرفت المقاهى للمرة الأولى فى القرن الثالث عشر الميلادى تزامنًا مع وصول أول شحنة من البن اليمنى فتناولها المصريون «مغلية»، ولكن مع حكم أسرة محمد على أصبحوا يشربونها على الطريقة التركية حتى الآن! وهكذا أطلق الناس على المكان الذى يتناولون فيه القهوة. وفى عهد الحملة الفرنسية على مصر أواخر القرن الثامن عشر «1798/1801» لفتت المقاهى أنظار الفرنسيين لأنها كانت تجلب المنشدين الذين يسردون حكايات من التراث الشعبى بإيقاعات منغمة، من أجل إمتاع رواد المقهى. تعد العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى هى العصر الذهبى لمقاهى القاهرة، إذ افتتح العديد منها فى ذلك الوقت فارتادها المثقفون والمبدعون، فضلا على السياسيين أيضاً. وقد ظلت المقاهى باقية شاهدة على تاريخ مصر حتى لو غادر أصحابها الأجانب بلدنا، أو أطاح بها الزمن! ما رأيك لو نستعيد ذكر أشهر هذه المقاهى وأهمها؟ قهوة ماتاتيا أسسها المهندس الإيطالى الذى كان مسؤولا عن تطوير القاهرة فى عهد الخديو إسماعيل عام 1875 تقريبا أسفل عمارة مبهرة شامخة فى قلب ميدان العتبة تحمل اسمه ماتاتيا. ومن أهم روادها جمال الدين الأفغانى. جروبى والأمريكين افتتحه رجل أعمال سويسرى اسمه جياكومو جروبى عام 1909 فى شارع عدلى بوسط القاهرة، وأصبح المحل بعد فترة قصيرة جدا ملتقى العائلات الأرستقراطية والأجنبية الموجودة فى مصر، وضباط الجيش الإنجليزى خلال الحرب العالمية الأولى. وفى عام 1924 أنشأ جروبى فرعه الثانى فى ميدان سليمان باشا «طلعت حرب حاليا»، حيث يضم المحل بارًا ومطعمًا فاخرًا وقاعة للرقص! والطريف أن جروبى هو أول من أدخل السينما الصيفية إلى مصر، إضافة إلى أنه أول من قدم الحلوى الغربية، والآيس كريم، والكريم شانتيه، وكان من أشهر رواد المحل أم كلثوم، وأسمهان، وعيزرا وايتسمان الذى صار رئيسا لإسرائيل! غادر جروبى إلى موطنه سويسرا تاركًا ابنه لإدارة المحلات، وفى عام 1930 افتتح محل الأمريكين بشارع سليمان باشا، عارضا المشروبات والمأكولا بأسعار أقل من جروبى، لكى يكون ملتقى من لا تساعدهم ظروفهم المادية لدخول محلات جروبى، وبعد سنوات قليلة افتتح الفرع الثانى بشارع 26 يوليو. مقهى ريش أقيم على أنقاض قصر الأمير محمد على توفيق عام 1914 لرجل أعمال نمساوى، وسرعان ما اشتراه رجل فرنسى كان مولعًا بالثقافة والفنون، فأطلق عليه اسم «ريش» وهو أحد أشهر مقاهى باريس التى يرتادها المثقفون، عرف المقهى مقراً يجتمع فيه المثقفون والأدباء والسياسيون، وكان للاجتماع فيه دور كبير فى ثورة عام 1919. وقد غنى فيه صالح عبدالحى والشيخ أبوالعلا محمد وأم كلثوم، وأقام فيه نجيب محفوظ ندوته الأسبوعية التى كان يعقدها عصر يوم الجمعة منذ عام 1963. وعرفت باسم مقهى المثقفين. اللافت للانتباه أن الشاعر الغاضب نجيب سرور ذكره فى عنوان ديوانه «بروتوكولات حكماء ريش» نتيجة الظلم الكثير الذى تعرض له فى حياته. مقهى الحرية انتصبت جدرانه على أنقاض منزل الزعيم أحمد عرابى فى 1963 بباب اللوق، سمى ذلك الاسم كناية عن دماء الشهداء وأصوات ملايين المصريين التى نادت بالحرية، ومن عجب أن ورثة المقهى بلغ عددهم 52 وريثا! . ومازال المقهى يفوح برائحة التاريخ متمسكًا بملامحه القديمة حتى إعلانات البيرة المكتوبة بالفرنسية مازالت معلقة على جدرانه، لأنه من المقاهى المصرح لها بتقديم البيرة لزبائنها، ومازال المقهى مزدحمًا بالمثقفين. سوق الحميدية تقع فى شارع الفلكى بباب اللوق وقد تم تدشينها عام 1960 عقب الوحدة الشاملة بين مصر وسوريا، إذ افتتح المقهى رجل أعمال سورى ليكون عبارة عن «صالون» يقدم فيه المشروبات المثلجة وجميع أنواع الحلوى والمأكولات السورية للسوريين الموجودين بمصر، وأطلق عليه اسم صالون ليتناسب مع النساء والرجال، أما بالنسبة لاختيار اسمه «سوق الحميدية» فهذا الاسم يرجع إلى أكبر سوق فى العاصمة السورية. ويقال إن الزعيم جمال عبدالناصر شهد افتتاح المقهى كما جاء فى كتاب «مقتنيات وسط البلد» للأديب مكاوى سعيد. ومن أشهر الصحفيين الذين كانوا يرتادون المقهى عبدالوهاب مطاوع، وعبدالمنعم رخا، ومن الفنانين عادل إمام، سعيد صالح، ويونس شلبى ومحمد نوح. مقهى الندوة الثفافية افتتح عام 1962 بجوار مقهى سوق الحميدية بباب اللوق ليكون مكانًا لالتقاء الكتاب والأدباء والفنانين. المثير فى الأمر أن المقهى التزم بتقاليد صارمة لفترة من الزمن مثل عدم تحية الرجال للسيدات بالتقبيل أو العكس، كما منع منعًا باتا تناول الطعام بالمقهى. ومن أهم رواده نجيب محفوظ ووحيد سيف ومحمد الدفراوى. مقهى ركس أنشأه الخواجة داوود عدس عام 1931 فى شارع عماد الدين، فكان أول من اقتنى الكراسى الخشبية من باريس. ومن أشهر رواده نجيب الريحانى واستيفان روستى، والطريف أن عقد بيع المقهى اشترط فى أحد بنوده أن تظل معالمه كما هى، وبالفعل ظلت صورة المقهى كما هى لأكثر من 60 عامًا. وقد شهد مقهى ركس الاتفاق بين منتج ومخرج فيلم الناصر صلاح الدين وكتابة عقد الفيلم!