نقلا عن اليومى.. فى 8 أغسطس 2011 غابت عن دنيانا الفنانة المتفردة هند رستم، بعد أن تركت لنا رصيدًا وافرًا فى بنك السينما، بدأته بلقطة عابرة وهى تمتطى الخيل ضمن كوكبة من الحسناوات يحطن بليلى مراد وهى تغنى «اتمخطرى ياخيل» فى الفيلم العظيم الشهرة «غزل البنات» لأنور وجدى، والذى عرض فى عام 1949. رحلة شاقة تقول موسوعة السينما إن هند رستم من مواليد 12 نوفمبر 1929، ويقول محمود قاسم فى موسوعته المدهشة «دليل الأفلام فى القرن العشرين» إن فيلم «حياتى عذاب/عرض فى 23 أغسطس 1979» للمخرج على رضا هو آخر أفلامها. ثلاثون عامًا قضتها هند فى رحاب السينما، تنقلت خلالها بين أدوار صغيرة لا تلفت الانتباه كثيرًا كما فى أفلام «جحيم الغيرة» للمخرج كوستانوف، و«طريق السعادة» لكامل الحفناوى، و«اللقاء الأخير» للمخرج السيد زيادة، وكلها عرضت فى سنة 1953، حتى التقطها المخرج الحصيف حسن الإمام، فأسند لها أدورًا أكثر أهمية كما فى فيلمى «قلوب الناس»، و«الملاك الظالم» اللذين عرضا فى عام 1954، وسرعان ما تحقق وجودها بدرجة لا بأس بها فى دنيا السينما، إلى أن تجرأ حسن الإمام ومنحها دور البطولة للمرة الأولى فى فيلم «اعترافات زوجة» مع كمال الشناوى، ومحسن سرحان، وقد عرض الفيلم فى 26 ديسمبر 1954، ثم ظهرت فى الدور الثانى أمام مديحة يسرى، وكمال الشناوى فى «بنات الليل» لحسن الإمام أيضًا الذى جعلها أن تستوى نجمة أولى بلا منازع فى فيلم «الجسد» مع كمال الشناوى، وفاطمة رشدى، وحسين رياض، وقد عرض الفيلم فى 25 يوليو 1955. فى هذا الفيلم صالت وجالت هند رستم بين المشاعر المتناقضة، فهى راقصة بلا قلب تصطاد زبائن الكباريه، ثم يخترق سهم الحب قلبها، فتتحول إلى امرأة عاشقة حتى الثمالة، وتصطدم بوالدتها - فاطمة رشدى - التى علمتها فنون الانحراف. صحيح أن أداءها فى هذا الفيلم اتسم بطابع مسرحى إلى حد ما، وهو يناقض ضرورات السينما، لكنها أقنعت مشاهدى ذلك الزمان - وما زالت تقنعنا - أنها ضحية أم جاهلة فقدت الشعور السوى بمعنى الأمومة. ملامح نادرة شىء ما فى هند رستم يدفعك إلى تصديقها على الفور، قد يتجلى هذا الشىء فى نظرة العينين التى توحى بأنها ضحية مقادير قاسية «الحب الخالد/الراهبة»، أو أنها امرأة لعوب ترسل عيناها وعودًا بالغواية «صراع فى النيل»، أو أنها عاشقة حتى النخاع «الخروج من الجنة»، أو أنها فتاة مدللة وعصبية كما فى «ابن حميدو»، ولو تذكرت كيف كانت تنادى شكرى سرحان فى فيلم «رد قلبى/1957» وهى طريحة الفراش ملفوفة فى أربطة بسبب الحريق، كانت تستغيث به، قائلة بإحساس موجع: «على».. لو تذكرت هذا المشهد الحزين لأيقنت أننا أمام فنانة تشع بالصدق وتتألق بالمشاعر الفياضة. امتلكت هند وجهًا مترعًا بالحيوية، فالعينان صافيتان يمكن استخدامهما بيسر لمتطلبات الدور، والجبين رائق يوحى بالثقة والاعتداد بالنفس، وفمها متسق الشفتين، أما الشعر الأشقر فقد وهبها طابعًا أجنبيًا إلى حد ما، لكنه مقبول مصريًا، خاصة أن الزمن الذى ظهرت فيه هند رستم بين الناس، كان الأجانب يعيشون فى مصر بكثافة، الأمر الذى يجعل عيون المصريين تعتاد ملامحهم بعد أن تمكنت البديهة الشعبية من التفرقة بين الأجانب الطيبين والأجانب الأشرار، وكان نصيب هند يميل بقوة إلى أن الطابع «الخواجاتى» الذى ترفل فيه لا يحجب عنها شخصيتها المصرية ذات الشهامة والمروءة. مع يوسف شاهين لم يلتفت المخرج يوسف شاهين إلى موهبة هند إلا متأخرًا، حين استعان بها لتلعب دور راقصة شرهة للمال تطارد فريد الأطرش فى فيلم «أنت حبيبى/عرض فى 29 إبريل 1957»، وهو الدور نفسه تقريبًا الذى لعبته أمام يحيى شاهين فى فيلم «نساء فى حياتى/31 يناير 1957» للمخرج فطين عبدالوهاب، وإن كانت فى هذا الفيلم قد كشفت عن موهبة استثنائية بوصفها فتاة ترفض تسلط الرجال، وتدرك قيمة حب الفن. أما تحفتها الخالدة فتجلت عندما تقمصت شخصية «هنومة» فى الفيلم الشهير «باب الحديد» الذى أخرجه يوسف شاهين، وعرض فى 20 يناير 1958، فى هذا الفيلم المتميز تمكنت هند رستم من تجسيد شخصية فتاة تبيع الكوكاكولا لزبائن محطة القطار بميدان رمسيس. من فضلك تأملها وهى تهرب من مطاردة الشاويش، أو وهى تتحرك بدلال فيجن يوسف شاهين - قناوى - أو حين تتبادل الغرام مع خطيبها فريد شوقى، أو عندما ترقص بجنون مع الطلاب داخل القطار، أو حين يعتريها الذعر لما أمسك بها قناوى وانكفأ فوقها ليقتلها على شريط القطار. فى كل هذه المشاهد تتألق هند بشكل مدهش، وتتقمص شخصية البائعة المشاكسة بمهارة لافتة للنظر، وتؤكد حضورها أمام ممثلين كبار من طراز حسن البارودى الذى أدى دوره باقتدار، أو فريد شوقى الذى يسمو بأدائه مع صلاح أبوسيف، ويوسف شاهين بشكل خاص، أو المخرج نفسه الذى ظن الناس أنه شخص أعرج فى الحقيقة، كما اعتقد ذلك أعضاء لجنة تحكيم مهرجان كان وحرموه من جائزة التمثيل، لأنه لم يحضر المهرجان، وبالتالى لم يتأكد الأعضاء من كون يوسف شاهين سليم الساقين! شهامة هند قدمت هند للسينما أدوارًا كثيرة متنوعة، وبعضها ينضح بالمروءة والشهامة، مثل دورها فى «رد قلبى»، أو دورها فى «الخروج من الجنة»، أو دورها فى «الراهبة»، ويبدو أن هذه الشهامة صفة نبيلة فى شخصيتها الحقيقية، وإلا ما اعترضت فنانتنا الجميلة حين قرر مهرجان القاهرة السينمائى الاحتفال بها وتكريمها، إذ قالت إن الفنانة شادية أولى وأهم! من الأمور الظالمة أن يتناقل الناس أن هند رستم هى مارلين مونرو الشرق، ومع كامل تقديرنا للشهرة المدوية لمارلين مونرو، فإن هند تمتلك موهبة فنية أفضل بكثير من النجمة الأمريكية، ولكن ما الحيلة، والأمم الأضعف تحاول تقليد الأمم الأقوى كما لاحظ بحق ابن خلدون قبل 600 عام، ولأن هند ظهرت فى دولة من العالم الثالث، فإن التشبه بالنجوم الساطعين فى العالم الأول أمر طبيعى بكل أسف! موضوعات متعلقة.. ما سر تسمية عبدالحليم حافظ بالعندليب؟!..الناقد الفنى جليل البندارى يمنح عبدالحليم لقبه التاريخى! محمد غنيم يكتب : مقاهى وسط البلد.. عصر مزدهر من الثقافة والتنوير..مقهى «ركس» يشهد كتابة عقد فيلم الناصر صلاح الدين بين المخرج والمنتج من منكم يتذكر هذا الشاعر المتميز..محمد مهران السيد.. «الصعيدى الفصيح» يشكو الفرعون للطين والملح و«الدم فى الحدائق»!