«مراكز الإيواء» هى مجموعة من المراكز تتبع وزارة الصحة ويوجد فى كل محافظة واحد على الأقل يستقبل الأطفال اللقطاء من عمر يوم حتى عامين، ثم يتم نقلهم بعدها إلى دور الأيتام أو إلى الأسر البديلة التى تكفلهم، وتخصص وزارة الصحة ميزانية تبلغ قيمتها مليونا و200 ألف جنيه سنويا مخصصة بأكملها لسد احتياجات الدار من أجهزة ومأكل وملبس وعلاج بواقع حوالى 37 ألف جنيه فى المتوسط لكل دار من الدور البالغ عددها 32 دارًا. هذه الميزانية التى يواجهك بها مدير الإدارة العامة لرعاية الأمومة والطفولة الدكتور «محمد نور» بمجرد سؤالك عن حقيقة عدم توافر الإمكانات اللازمة لدور الإيواء، لن تسمعها إذا قمت بزيارة الدور دون أن تكشف عن صفتك الصحفية، حيث ستجد ردا آخر وهو «نعتمد بشكل رئيسى على التبرعات لأن وزارة الصحة لا توفر لنا الإمكانيات اللازمة». ومن أصل 32 مركزا فى كل المحافظات، قمنا بزيارة خمسة تشابهت ظروفها فى أن الميزانية التى لا تكفى، حتى إن تلك الدور باتت تعتمد بشكل أساسى على التبرعات الخارجية. ففى مركز القلعة لإيواء الأطفال، والمكون من طابق واحد ملحق بمركز رعاية الأمومة والطفولة بالمنطقة، وله باب حديدى عليه لافتة مسجل عليها عبارة دار الإيواء، يلفت انتباهك أولا أن الدار خلت تماما من التأمين إلا من قفل حديدى على الباب، ويخيم عليها صمت مريب، غير مريح، ولا يوجد بها سوى أربعة أطفال وعاملة نظافة ومربية. أخفينا هويتنا الصحفية وتحدثنا مع المسؤولين باعتبارنا متبرعين نريد أن نعرف احتياجات الدار لتقديم المساعدات، فقالت الأخصائية الاجتماعية المسؤولة عن الدار، إن المكان يعتمد بشكل رئيسى على التبرعات، لأن مساعدات وزارة الصحة لا تكفى، حيث لا تقدم الوزارة سوى الألبان وحفاضات الأطفال، والأغذية التكميلية، فضلا عن الغسالات والمراوح. المشكلة الثانية والأهم التى تعانى منها دور الإيواء بشكل عام والقلعة بشكل خاص، هو أنه وفقا للقانون تعمل هذه الدور بمساعدة مربيات، كما توضح المشرفة التى تحتفظ «اليوم السابع» باسمها قائلة «نرعى الأبناء داخل الدار حتى يبلغوا العامين، وإذا زاد عددهم بصورة تجعل من الصعب مراعاتهم داخل المركز نستعين بمربيات، مقابل أجر 90 جنيها شهريا». وطبيعى أن هذا الأجر المتدنى لا يغرى المؤهلات المدربات من خريجات علم النفس أو الاجتماع أو حتى مدارس التمريض للالتحاق بهكذا مهنة شاقة، ومن ثم يسدد الصغار الثمن، حيث تهملهن المربيات، ويتعرضون بالتالى للإصابة بأمراض صحية بسبب سوء التغذية وغياب الرعاية الصحية، إضافة إلى مشكلة أخرى تلفت إليها المشرفة وهى أن عددا كبيرا من هؤلاء المربيات، يستغللن حالة الانفلات الأمنى فى البلد ويهربن بالأطفال بشكل يصعب معه استردادهم مرة أخرى. وتضرب أمثلة على هذا قائلة «ضاع منا ثلاثة أطفال بعد الثورة هربت بهم المربيات، وعلى الرغم من تحريرنا محاضر بأقسام الشرطة، إلا أنه لم يتم اتخاذ الخطوات اللازمة لاستردادهم»، وأضافت «أعرف واحدا منهم جيدا وذهبت لبيت المربية وطلبت منها إعادته إلا أنها رفضت وقامت بإخفاء الطفل، وقت وجودى بالمنزل». ولهذا السبب، أوقفت محافظة القاهرة وفقا لمديرية الشؤون الصحية نظام المربيات تماما، ولا تعمل به إلا إذا تطلب الأمر ذلك. ويبلغ عمر ثلاثة من الأطفال 6 شهور وواحد لم يتم شهره الأول بعد، وتوجد عاملة نظافة، وممرضة لرعاية الأطفال حديثى الولادة، وتقول الممرضة «الآن يوجد عدد قليل من الأطفال داخل الدار فلا نحتاج إلا لفردين، وإذا زاد العدد فسنحولهم إلى أماكن أخرى أو سنطلب إعادة نظام المربيات». رغم ضآلة المبلغ المخصص من الدولة للمربية مقابل رعاية الطفل فإن مبلغ 90 جنيها فى الشهر، يمثل عائدا ثابتا لبعضهن، كما أن البعض منهن يقمن باستغلال الأطفال، بما يعود عليهن بدخل شهرى. الاعتماد على المربيات فى مشاكل صحية للأطفال بسبب نقص الرعاية اللازمة والإشراف، هو ما كشفنا عنه أثناء مقابلتنا لأطفال داخل دور الأيتام. وعلى الرغم من أن تأمين هذه الدور يعد مسؤولية وزارة الداخلية بشكل أساسى، فإن ذلك لا يحدث فى الحقيقة، ففى أوقات الفوضى التى مرت بالبلد فى الفترات الأخيرة، لم تستطع الداخلية حماية الأبناء إلا بجهود ذاتية أو إيداع الأطفال فى بيوت تابعة للوزارة خوفا من تعرضهم لمكروه. ومن مركز القلعة إلى مركز مدينة السلام، حيث يقع المركز الطبى وبداخله دار الإيواء، حيث قابلنا بالمركز المذكور ممرضة واحدة ومعها عاملة نظافة قالت «يقسم العمل داخل المركز على ورديتين، واحدة صباحية وأخرى مسائية، ويتكون المركز من غرفتين صغيرتين». مسؤولية الممرضة تبدأ من رعاية الأبناء من الناحية الصحية وعاملة النظافة تقوم بالتنظيف، بينما يخلو المركز من مشرفة اجتماعية، كما يعانى نقص الخدمات اللازمة، إذ يعتمد بشكل أساسى على التبرعات. ويحتاج الأطفال إلى ملابس وهو ما توفره الوزارة مرة واحدة فى بداية العام، كما تؤكد الممرضة، ولا يكفى الأطفال بعد ذلك. حاولنا أيضا التعرف على تطبيق الشروط اللازمة فى التعامل مع الأسر البديلة، فطلبنا من الممرضة التعرف على الإجراءات المطلوبة لتبنى طفل، فطلبت منا التوجه لإدارة الشؤون الاجتماعية بالمنطقة فاتجهنا إليها، وقابلنا الموظف المسؤول هناك، وطلب منا التعرف على راتب الزوج وورقة تثبت أنه يملك سكنا، إضافة إلى أوراق تثبت أننا لا نستطيع الإنجاب، وورقة تثبت عمل أحد الأقارب بالمستشفيات الحكومية. وعلى الرغم من تأكيدنا، أن راتب الزوج لا يزيد على ألف جنيه، وهو مبلغ بسيط قبلت الموظفة المسؤولة شرط أن تزور منزل الزوجية، على ألا يتم تغيير اسم الطفل.