مازلت هناك واقفة ابتسم، فأكشف عن أسنانى اللبنية الناصعة، حركتى وأنا ألهو، أقفز، أمسك بشىء وأعبث بغيره، أتذكر حلقات السمر التى لم تخل من رقصة لى أو أغنية حفظت كلماتها بالكاد، حقيبتى الأكثر منى طولا وضفيرتى القصيرة، كيس الطعام مؤنسى الوحيد أكلمه وأحلفه الحفاظ على طعامى، وألعب به مع أقرانى تارة وأطيره الأخرى، الخمسون قرشا ثمن الحلوى اليومية فى جيب بلوزتى الأمامى، كل هذا ومازال أيضا صراخى ليلتها يطن فى أذنى.. لم أكن أعلم أن يوم سعادتى بألعابى الجديدة هو يوم تعاستى، فبعد أن غفى الجميع وأطفأت الأنوار، كنت أسابق ذهنى الذى دارت فيه صورتى وأنا أحضر ألعابى وأقفز من أعلى سريرى، أجرى نحو باب غرفتى، لا أبحث عن مكان أوسع أفترشهم فيه، انطلقت لأنفذ رغبتى، وفجأة تسمرت مكانى وصرخت من الألم، بعد أن انغمز بداخلى سن السرير الخشبى المدبب، صرختى أفزعت أهل بيتى وأفزعتنى.. بكاء مستمر بدون انقطاع وصراخ مدوى يعلو لحظة تلو الأخرى، كشفت أمى عن مكان إصابتى، لتجد جرح غائر أسفل بطنى بقليل ذهبت بها المخاوف والشكوك ولم يكن بوسعها إلا أن تستدع أحد أكثر منها خبرة فهى مع حداثة سنها لا تجيد التعامل مع مثل هذه الأمور، طرقت أبواب جارتنا، ودعتها للتحقق من أمرى وهى تشد على يدها مع كل درجة تخطوها لأعلى، تتمنى أن تكذب لها مخاوفها، تتذكر فى كل خطوة مولدى وكلامها مع أبى عن يوم زفافى وسعادتها وهى تنتهى من وضع اللمسات الأخيرة فى فستانى الأبيض. وجاءت الكلمات بوقع ثقيل على سمعهم "فقدت عذريتها قبل اتمامها الرابعة"، تكوم أبى فى زاوية وانخرط فى البكاء لقد انتهى عهد براءتى، وصرخت أمى أمام نظراتى الحائرة وأنا لا أعلم ماذا حدث منظر الدماء يغطى لباسى الداخلى فتبدلت معالمى لفتاة تبلغ أضعاف عمرها، ليلتها ضمتنى أمى وقررت أن تتقاسم معى مستقبلى المجهول وتتقاسم معى فراشى ليلا.. استيقظت بعدها ونظرت لمكان الجرح وبقع الدماء وهى تعلو ثيابى.. استيقظت على صدر أمى، لا أريد ان ابقى فى غرفتى كثيرا، ارتديت ثياب الروضة ببطأ شديد فى الحركة والتفكير.. وعندما طلبت منها أن تعقد لى ضفيرتى شعرت بدمعتها التى غلبتها تجرى على فروة رأسى، سألتها عن سر بكائها أجابت "رأيت مكروها أصابك فى منامى".. كررت على أصحابى حوار جارتنا مع أمى ومثلت فى عفوية من يتعلم الهجاء ما حدث.. فلم أفهم أنا ولم يفهموا هم واكتفوا بتبادل الضحك والتصفيق لبراعة التمثيل.. ولكن.. شىء ما بداخلى جعلنى أكره دور الأم فى كل العابى يوما بعد يوم، وفضلت أن أظل فى جسد الطفلة بل ودور الابنة.. شىء جعل أعين أبى تنهرنى وتدفعه للتفكير فى قتلى مرات بعد أن تبدل حاله هو الآخر وأصبحت صغيرته المدللة مجرد امرأة منبوذة، يتخيل فى ملامحها وهى تتجول فى أركان حجرتها وجوه وأصوات الناس تتغامز وتحكى فى سيرته وتتحسر عليه.. ومرت الأيام وتوفى كاتم سرى.. "إياك أن تعجبى بأحد.. فالحب ليس لك ولست له" نصائح وربما قواعد حددت حياتى القادمة جعلتنى حريصة فى نظرتى، ابتسامتى، ومشى.. أما الآن فقد بلغت السابعة والعشرين فما سر رفضها للزواج ؟؟ هكذا تساءل عمى الذى صار أمر زواجى عبئا عليه. ويوم عرسى صممت أذنى عن صوت الطبول واحتفظت فقط بوجه أمى متظاهرة بالسعادة، لقد جاء وقت تتويج ملكتها اللحظة التى دعت بها كثيرا ولعنتها أكثر، أمى وهى تتقبل التهانى فى "مبروك".. فترد نفسها "شكر الله سعيكم".. "أنا لست عذراء".. كانت آخر جملة قلتها لزوجى فى ليلة زفافنا وقبل أن يقول "أنت طالق".