استمرت سياسة الدعم لمدة تتجاوز الأربعين عاما، ولكن ما المحصلة بعد أربعين عاما ؟ لاشىء، بل أن الفقراء ازدادوا فقرا والأغنياء ازدادوا غنا، مجانية التعليم قضت على التعليم وأصبح لدينا أنصاف أو أرباع خريجين يضيفون سنويا لرصيد الناس التى تجلس على المقاهى أعدادا مهولة، فالبطالة بين المتعلمين وخصوص بين المؤهلات العليا أصبحت تفوق تلك التى بين غير المتعلمين، وخريج الجامعة أصبح لا يعادل فى مستوى تفكيره أو ثقافته خريج الابتدائى فى الفترة ما قبل مجانية التعليم، مستوى الخدمات الصحية تدهور للحضيض فى المستشفيات الحكومية والتأمينات الصحية، الخبز المدعوم أصبح علفا للطيور والحيوانات بدلا من أن يكون المصدر الرئيسى لغذاء المواطن المصرى، اعتمدت المصانع على دعم الوقود وباتت فى سبات عميق ! فبدلا من أن تكون مصدرة ومنتجة لمنتجات مميزة ورخيصة نسبيا أصبحت تنتج أسوأ ما يمكن تخيله وبأسعار عالية !! ناهيك عن السلع الإستراتيجية التى كانت تشترى من قبل بعض العصابات وتخزن ويعاد بيعها فى السوق السوداء، حتى لبن الأطفال المستورد وبعض الأدوية النادرة لم يسلموا من أيدى المجرمين، والمحصلة فى النهاية موارد الدولة تهدر وتذهب إدراج الرياح بسبب الدعم الذى لا يصل لمستحقيه !! فمزيد من العجز بسبب الإفراط فى الدعم، فمزيد من الاستدانة للخارج فمزيد من التبعية المالية والاقتصادية التى ربما تقود للتبعية السياسية والوقوع تحت سطوة الامبريالية العالمية.. لقد استغل الدعم من الحكومات المتعاقبة الفاشلة كرشوة سياسية تقوم بها الحكومة استعطافا واسترضاء واستقطابا للتأييد الشعبى المستمر، لقد مثلت الآثار السلبية للدعم مرحلة حصاد الأسى الذى حصده الاقتصاد المصرى عبر أعوام كثيرة، لذا بات من الضرورى مواجهة هذا المسكن( الدعم) بمضاد حيوى واسع المدى يقتل الميكروب ويستهدفه مباشرة متمثلا فى (سياسات الإصلاح الاقتصادى) بالمعنى الشامل والموسع لها. إن قصة العدالة الاجتماعية والاقتصادية لا تقتصر فقط على قضية دعم السلع والخدمات أو حتى على دعم المحروقات والوقود، السياسات الاقتصادية ليست بالسوبر ماركت ولا تحتمل نقاوة، الإصلاح يتم من خلال مجموعة من السياسات التى تكمل بعضها البعض وفى النهاية تكون الثمرة هى العدالة الاجتماعية والاقتصادية. إن العدالة الاقتصادية والاجتماعية تعنى توزيع كل من الحقوق والأعباء على الشعب بنسبة وتناسب، الكل يشترك فى تحمل العبء الغنى والفقير، الضرائب بالشرائح مع تحرير الأسعار من الدعم مع تطبيق الحدين الأقصى والأدنى، مع مكافحة التهرب الضريبى، مع محاربة الفساد، كلها أمور بالتأكيد ستقودنا لمرحلة العدالة الاجتماعية لكن الموضوع سوف يستلزم وقت لكنه ليس بالوقت الكبير، (ده فى حالة لو الناس صبرت شوية وماجرتشى ورا الفوضى والفوضويين واللى بيصطادوا فى الماء العكر). إن العدالة الاقتصادية تنطوى على أن كل عنصر يتقاضى عائدا يتناسب مع مدى مساهمته فى العملية الإنتاجية، والعدالة الاجتماعية تعنى أن الفروق بين الطبقات ينبغى أن تتقلص للحد الأدنى لكن لابد وأن يكون هناك فروق لكن الأهم أن لا تكون شاسعة وكبيرة، بالتأكيد سوف تكون هناك إجراءات تخفيفية لإصلاح الآثار السلبية والتى قد يعانى منها الطبقة الفقيرة والمتوسطة وأصحاب المعاشات، بل أن تلك الإجراءات بدأت بالفعل بطرح سلع تموينية بأسعار رخيصة على بطاقات التموين، وأظن هنا أن الحكومة تحاول توصيل رسالة أن الدعم ممكن يصل لمستحقيه فى حالة رفعه من على الكل (الغنى والفقير) وفى نفس الوقت تعويض الفقير بحصص أو كوته يتم توزيعها عليه من خلال نظام التموين، السلع التى كانت مدعومة كان يتاجر بها بمعنى أن هناك عصابات مافيا ( من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة) كانت تشتريها بكميات كبيرة وتخزنها وتعيد بيعها فى السوق السوداء بأسعار مرتفعة وهذا ما زاد من عمق الأزمة وهذا ما غذّى الظلم الاجتماعى فلو قولنا أن نظام مبارك فاسد فالفقراء أيضا فاسدون ومرتشون، الكل فاسد يا عزيزى والكل أعوزه الانضباط وعصا التقويم.