"مرت ساعات النهار طويلة مثيرة للأعصاب، وشعرت شعور الأب الذى ينتظر وليده، وحان الوقت، واستمعت إلى دقات قلبى فى أذنى، وبدأ "صوت العرب" يرى النور على الهواء، وركزت أنفاسى وكلى آذان صاغية أتابع فقراته لفظا لفظا كمستمع وناقد". هكذا يصف الرجل الذى أسس إذاعة صوت العرب حاله وقت انطلاق إذاعة صوت العرب فى مثل هذا اليوم "4 يوليو 1953"، هو فتحى الديب "ضابط المخابرات المصرية ومسئول قسم الشئون العربية فى رئاسة الجمهورية، وهمزة الوصل بين جمال عبد الناصر وحركات التحرر العربية، وفى كتابه "عبد الناصر وتحرير المشرق العربى" يكشف الكثير من الأسرار التى أحاطت بدوره، بدءا من تكليف "عبد الناصر" له بمهمته الجديدة عام 1953، وتنفيذ هذه المهمة فى شمال إفريقيا وسوريا ولبنان والسعودية ودول الخليج وعمان، وتأسيس "صوت العرب" حتى تكون الصوت الإعلامى المعبر عن هذا التحرك، ويعد ذلك وعيا بأهمية دور الإذاعة وقتئذ، باعتبارها النافذة الإعلامية المؤثرة فى الحشد والتعبئة والتوعية، وكانت هى وقتها المعادل الطبيعى ل"الفضائيات" حاليا. يشرح "الديب" كيف ولدت فكرة "صوت العرب" والإعداد لها، واختياره ل"أحمد سعيد" مذيعها ومهندسها التاريخى"، وأول صوت ينطلق منها قبل أن يصبح مديرها، وكان معه منذ البداية "نادية توفيق" كمسئولة عن المادة الترفيهية والموسيقية. فى الساعة السادسة مساء يوم "4 يوليو 1953" انطلق "صوت العرب" كبرنامج لمدة نصف ساعة موزع على خمس فقرات، هى لحن مميز خاص يتميز بالصبغة العربية ومدته دقيقة، ونشرة أخبار متضمنة كافة الأخبار فى الوطن العربى، ومدتها من 7 إلى 10 دقائق، وتعليق سياسى يتناول حدث اليوم من وجهة نظر ثورة يوليو، وبالأسلوب الذى يخدم التعريف بأهدافها، ومدته لا تتخطى عشر دقائق، انتهاء البرنامج بإعادة إذاعة اللحن المميز. مرت أول "ثلاثين دقيقة" فى عمر "صوت العرب" بسلام ونجاح، وفيما بعد تحولت "النصف ساعة" من "برنامج" إلى محطة إذاعية، أصبحت قبلة العرب الإعلامية، وأصبح "تعليقها" الذى يقدمه أحمد سعيد من أشهر المواد الإذاعية، واشتهرت الإذاعة إلى حد الهوس العربى بها، ومما هو شائع أن مواطنا يمنيا سأل أثناء شرائه راديو ترانزستور": "هو بيذيع أحمد سعيد ولا لأ؟"، ومواطنا آخر يركب "الجمل" فى صحراء الجزيرة العربية ويمسك "الراديو" ليستمع إليها. خاضت "صوت العرب" معاركها العظيمة ويسجلها "أحمد سعيد" فى مذكراته المهمة غير المنشورة، والتى اطلعت عليها بالكامل، ومن أبرزها معركة نفى فرنسا للعاهل المغربى الملك محمد الخامس إلى مدغشقر، ودورها المساند لنضال الشعب المغربى حتى أعاد "الملك"، ومساندتها للثورة الجزائرية منذ أن جاء إليها شاب يسأل عن المسئولين عنها، فاستقبله "أحمد سعيد" وسهرا الليل سويا، وتكررت المقابلات بعدها لعدة أيام، حتى قدمه إلى فتحى الديب، وكان هذا الشاب هو أحمد بن بيلا "قائد ثورة الجزائر وأول رئيس لها".