سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نساء الصعيد ضحايا ميراث الجهل.. العادات والتقاليد والعصبية تحرمهن من حقوقهن الشرعية والسياسية.. ومطالبات للرئيس السيسى بنصرة المرأة فى الصعيد.. والحاجة "فتحية" تروى لنا قصة "المشاع"
تتعرض المرأة المصرية بشكل عام والصعيدية بشكل خاص للانتقاص من حقوقها وتتنوع هذه الحقوق ما بين حقها فى العمل أو حقها فى ممارسة حقوقها السياسية من انتخاب وترشح، ولكن الأغرب فى المجتمعات الصعيدية بشكل خاص هو الانتقاص من حقها الشرعى الذى كفله لها الشرع، وهو الحق فى الميراث فأصبح حرمان المرأة فى الصعيد من الميراث كأنه هو الأمر الشرعى وما دون ذلك هو الأمر المخالف للطبيعة والقانون. وبناء على ذلك أصبحت المرأة لا ترث فى العديد من القرى ببعض مراكز أسيوط، خاصة من لهن إخوة من الذكور أو أعمام، وعلى مر السنوات السابقة اعتادت السيدات على هذا الأمر فأصبحن لا يطالبن بأى ميراث شرعى لهن، ويعتبرن هذا الأمر طبيعيا دون النظر لتعاليم الدين السميح أو الوصية التى أقرها الشرع. استمع "اليوم السابع" إلى بعض السيدات اللائى حرمن من حقهن الشرعى فى الميراث واللاتى ورثن ذلك الأمر عن جداتهن وأمهاتهن "ورد شاه محمد" سيدة فى العقد الخامس من عمرها روت لنا قصتها عن ميراثها الذى حرمت منه، قالت: "تزوجت من ابن عمى وأنا عندى 16 عاما بحكم العادات والتقاليد التى تجبر الابنة على الزواج من ابن عمها، ورغم أنه لم يحصل إلا على الابتدائية إلا أننى أتممت تعليمى للجامعة وأنا متزوجة بعد إصرار منى ومن والدى وكان لدى أربعة من الإخوة الذكور جميعهم يكبروننى و3 أخوات من الإناث، وكان لوالدى أرض زراعية يعمل بها إخوتى رغم انشغالهم بالدراسة وكانت تبلغ مساحة الأرض نحو 15 فدانا، وتوفيت أمى عقب زواجى ثم لحقها والدى بعد نحو 10 أعوام، ورغم علمى بأن عائلتى لا تورث الإناث ظننت أن إخوتى الذكور سيختلف الأمر لديهم وسيكسرون العادات والتقاليد لأن والدى كان شيخا وإخوتى جميعهم على درجة من التعليم والتدين وكلهم يعرفون تطبيق الشريعة الإسلامية جيدا، وبعد مرور شهر على وفاة والدى قرر إخوتى تقسيم الميراث، وفوجئت أنا وشقيقاتى من الإناث بتجاهل إخوتى الذكور لحقنا فى الميراث، ولكن المفاجأة كانت فى تبرير أشقائنا الذكور، وهو "أنهم لو قسموا الميراث وأعطوا كل واحدة فينا نصيبها الناس هتاكل وشنا وهنتفضح فى البلد وساعتها لا هينفعنا تعليم ولا تطبيق دين"، وانتهى الأمر بالنسبة لى ولشقيقاتى لكن المشكلة الحقيقة فى أنى لدى 3 إناث فقط، ولم يهبنى الله ذكورا وزوجى يرفض أن يكتب وصيته بميراث بناتى حماية لحقهن، وبالتالى فأنا أعلم أنهن لا يرثن بعد وفاة والدهن، وسيؤول الميراث لأبناء أعمامهن من الذكور (بحكم الخوف من الفضيحة وكلام الناس(. وفى قرية بنى محمد بمركز أبنوب والتى تعد من أشهر المراكز التى لا تورث بناتها لم يختلف الأمر كثيرا عند الحاجة فتحية والتى روت لنا قصتها مع "المشاع" اسم غريب على أذنينا، ولكن وراءه قصة غريبة إن لم تقلل من شأن الرجال لديهم فلم تزدهم، ففى بعض القرى بمركز أبنوب لا تورث الإناث من والديها أمر طبيعى جدا كعادات وتقاليد متعارف عليها لديهم، ولكن الغريب فى الأمر وحسب رواية الحاجة فتحية أنها إذا ما "تطاولت" وطالبت بحقها الشرعى الذى أقره الإسلام فتكون النتيجة أن تحصل الوارثة على نصيبها من الأرض كمشاع، وهو أن يقاس مسافة شبر أى عرض كفة اليد مضروبا فى طول مساحة الأرض، وليكن نصيبها قيراطين من الأرض "مثلا"، فتأخذ القيراطين بالطول فى عرض شبر، وبذلك يصبح الأمر تعجيزيا للإرث، ففى هذه الحالة لا تستطيع بيعها أو تأجيرها أو حتى الاستفادة من زراعتها فتستسلم للأمر الواقع أو تأخذهما بلا استفادة، وهو ما يعد أسلوبا مخالف للشرع والدين، وأضافت الحاجة فتحية أنه عندما قام أشقائها بتقسيم الأرض ومطالبتها بحقها قاموا بالفعل فى البداية برفض الأمر ثم فرضوا عليها أمر الأرض "المشاع"، فقالت: "لم يكن بالأيدى حيلة سلمت أمرى لله وقلت لهم ودى هعمل بيها إيه خلاص ربنا يسامحكوا". وفى مركز صدفا ورثت صفية وأخوتها البنات منزلا بدوار كبير "دار ضيافة"، وكان والدهن قد خصص ذلك المنزل الذى قام ببنائه لبناته، وقام بإلحاقه بدار ضيافة كبير لاستقبال ضيوف العائلة ولإقامة مراسم المناسبات المختلفة من جنائز وحفلات ومراسم عرس، وما أن توفى والدهن وقررن بيع المنزل، خاصة أنهن متزوجات فى محافظات مختلفة تصدت لهن العائلة ووقف جميع رجال العائلة فى وجوههن وهددهن فى حالة بيع المنزل والدوار بقتلهن، ورغم إصرار صفية وشقيقاتها على أخذ نصيبهن من حقهن الشرعى الميراث، إلا أن حجة أفراد العائلة، خاصة عمهن الذى قال لهن إن تقسيم الإرث يعنى بيع المنزل والدوار وهذا يعنى تفكك العائلة، وأضافت: "قال لنا مش هانيجى على آخر الزمن 3 حريمات يفككوا عيلة بكاملها ويفرقوا رجالتها عشان شوية حيطان ولو الموضوع ده ما اتقفلش هاكسر رجل اللى هاتفكر تدخل البيت فيكم". واسترجعت صفية ذكرياتها مع تلك المأساة وقالت: وبالفعل سكتنا ولم تجرؤ أى واحدة منا على التحدث فى الأمر، خاصة أن عمنا له الحق فى الإرث معنا وأصبحنا نحن الثلاثة لا نملك فى المنزل الكبير والدوار سوى حجرة نقيم فيها نحن الثلاثة فى حالة زيارتنا للبلد. وفى ديروط، قررت "منى" أن تتوجه للمحامى للمطالبة بحقها فى ميراثها من والدها الذى حينما قرر أن يكتب وصيته ويقسم تركته حسب شرع الله، لم تنته صراعاته مع العائلة إلا بموته بأزمة قلبية، إما منى فانتهت على إصابتها بإعاقة لأزمتها طول العمر بسبب الميراث. فروت لنا منى التى تبلغ من العمر 40 عاما قصتها مع الميراث حينما بدأت بقول والدها سأكتب الوصية حتى أضمن لبناتى حقهن فى الميراث، وما أن أعلن هذا الأمر حتى شنت العائلة بأكملها حربا عليه حتى أشقائى الذكور كل واحد منهم أعلن قطيعته لوالدى فى حالة عزمه تنفيذ هذا الأمر، قائلين "إنت كده بتفضحنا وهانعيش بقية عمرنا راسنا فى الطين وهايقولوا الحريم مشوا كلمتهم على الرجالة"، على الرغم من أن أشقاءها الثلاثة الذكور أنهوا تعليمهم بجامعات مختلفة ثم استمرت الحرب بين أشقائى وأبناء عمومتى وأعمامى وانتهت بموت والدى بأزمة قلبية، إثر التعرض لنوبات غضب مستمرة، خاصة أنه كان فى صراع بين ضميره ودينه وبين عادات وتقاليد توارثها الأجيال من قديم الزمن. واستكملت: بعد وفاة والدى وقفت أمام أهلى وطالبت بميراثى وحقى الشرعى فى نصيبى من التركة أنا وشقيقاتى من الإناث فتصدى لى أعمامى وأشقائى، وفى يوم قررت أن أذهب للمحامى وأقوم بتحرير دعوى قضائية أطالب فيها وشقيقاتى بنصيبى من تركة أبى، وعندما علم أشقائى واعمامى بالأمر انهالوا على بالضرب وانتهى الأمر بإحداث إعاقة فى قدمى بعد أن كسرت نتيجة ضربهم لى وتم تجبيرها خطأ على يد "مجبراتى" "لأنهم خافوا أروح المستشفى ويبان عليا الضرب ويتعمل محضر"، ونتيجة للتجبير الخاطئ، حدث اعوجاج فى قدمى ندمت بعدها على مطالبتى بالميراث واستسلمت للعادات والتقاليد التى لم آخذ من وراء محاربتها إلا عجزى وتشويهى. وفى نفس السياق، طالب معظم السيدات بصعيد بمصر بالنظر إلى ذلك الأمر الذى بدلا من أن يصبح إهدار حق شرعى ومخالفة لتعاليم الدين السمح، بات ضمن أعرق العادات والتقاليد المتخلفة والتى تزيد العداء وتزيد من إهدار حق المرأة المهدر فعليا بالصعيد، ووجه سيدات بعض القرى بأسيوط نداء خاصا إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن يضع المرأة الصعيدية تحديدا فى جدوله، حتى تنال جزءا من حقوقها المهدورة.