توقيع إتفاقية للبحث عن البترول في خليج السويس بإستثمارات 30 مليون دولار    البورصة المصرية تربح 1.5 مليار جنيه بختام تعاملات الخميس 4 ديسمبر 2025    الإنتاج الحربي يزور أجنحة الشركات المشاركة في معرض EDEX 2025 للاطلاع على أحدث تكنولوجيات التصنيع    فليك يضغط على برشلونة للتعاقد مع شلوتربيك لتدعيم الدفاع    الداخلية تكشف ملابسات ادعاء مرشح بوجود رشاوى انتخابية بإمبابة    رئيس جامعة بنها يشهد احتفالية اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة    مخاوف فقاعة الذكاء الاصطناعي تؤثر على مايكروسوفت وتكبدها خسائر بقيمة 91 مليار دولار    العمل" تُوفر 10 وظائف للشباب في" الصناعات البلاستيكية الدقيقة بالجيزة    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    واشنطن تحتفل بقرعة المونديال على طريقة ترامب.. وأندريا بوتشيلي أبرز المشاركين    «تطوير التعليم» يطلق برنامجًا مجانيًا لتعلم اللغة الإيطالية لتأهيل الشباب لسوق العمل الدولي    الاستنفار الأمنى يساهم فى زيادة الاقبال على التصويت بسوهاج    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    رغم جدل البرومو.. الست يُثير إعجاب الجمهور والنقاد في العرض الأول بالمغرب    الوطنية للصحافة تكرم أخبار اليوم كأفضل تغطية صحفية لافتتاح المتحف المصرى الكبير    افتتاح وحدة مناظير الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى حميات طنطا    الأهلي يتحرك لحسم ملف ديانج رسميًا.. وعرض جديد خلال ساعات    إعلان نتائج بطولة الجمباز بدوري الجامعات والمعاهد العليا المصرية رقم 53    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    «أخبار اليوم» تنعى شقيق الكاتب الصحفي إسلام عفيفي    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    رغم إصابته في أحداث 7 أكتوبر.. نتنياهو يدافع عن قرار تعيين سكرتيره العسكري رئيسا للموساد    رئيس الوزراء يصدر 10 قرارات جديدة اليوم    القاهرة الإخبارية: انتظام التصويت بدائرة الرمل في الإسكندرية.. والشباب يتصدرون    ياسمين الخيام في ذكرى والدها:يرت اسمي خوفا عليه    وفاة الشاعر والإذاعي فوزي خضر وتشييع جثمانه اليوم بعد صلاة العصر    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    الزمالك يخوض مبارياته في كأس عاصمة مصر على ستاد المقاولون العرب    «الأوقاف»: تعديل القيمة الايجارية لأملاك الوقف    "تعليم القاهرة" تدعو الطلاب لضرورة الاستفادة من المنصة اليابانية    بوتين: المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا مفيدة لكنها كانت أيضا عملا صعبا    ترقب أمريكى لزيارة بوتين للهند.. توقعات باتفاقات دفاعية وتسهيل التجارة    الليلة.. حفل افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2025    هل بول القطط نجس؟ وحكم الصلاة فى المكان الملوث به.. الإفتاء تجيب    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    مباحثات مصرية - بريطانية لتعزيز الاستثمارات في مجال الرعاية الصحية    لماذا يرتفع ضغط الدم فى الصباح وكيفية التعامل معه؟    نقيب المعلمين يبحث آفاق التعاون مع اتحاد التعليم في إنجلترا    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    المعرض الدولى الرابع للصناعات الدفاعية ( إيديكس - 2025 ) يواصل إستمرار فعالياته وإستقبال الزائرين    مصر تقيم احتفالية كبرى لوزراء البيئة وممثلي 21 دولة من حوض البحر المتوسط    وزير الزراعة يدلي بصوته في جولة إعادة انتخابات مجلس النواب بدائرة الرمل    محكمة جنح أول الإسماعيلية تؤجل نظر محاكمة والد المتهم بجريمة المنشار    أسيوط.. العثور على جثة مواطن وابنته بترعة الإبراهيمية عقب اختفائه وأبنائه الأربعة في ديروط    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    استمرار الغلق الكلي لمحور 3 يوليو.. تعرف على البدائل    رمضان 2026| سوسن بدر تتعاقد علي «توابع »ل ريهام حجاج    بيراميدز يخسر جهود زلاكة أمام بتروجت    اليوم الثاني للتصويت بالبحيرة.. إقبال لافت من الناخبين منذ فتح اللجان    استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس.. والجنيه يسجل 45440 جنيهًا    هل وجود الكلب داخل المنزل يمنع دخول الملائكة؟.. دار الإفتاء تجيب    لو عندى نزلة برد أعمل إيه؟.. الصحة توضح خطوات التعامل والوقاية    اللهم إني أسألك عيش السعداء| دعاء الفجر    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    وزير الثقافة يُكرّم المخرج القدير خالد جلال في احتفالية كبرى بالمسرح القومي تقديرًا لإسهاماته في إثراء الحركة المسرحية المصرية    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أول أيام عمر بن عبدالعزيز فى الاتحادية

كان أول قرارات عمر بن عبدالعزيز بعد دخوله مقر الحكم (الاتحادية بلُغة المصريين اليوم) عزل أميرىْ مصر وإفريقية المتجبريْن.. فأما أمير مصر أسامة التنوخى فكان قد أنزل بأهل مصر الأهوال، يقطع الأيدى فى غير سرقة، ويُدخل معارضيه أجواف الدواب، ثم يلقى بهم فى النيل إلى التماسيح، فلما قيل لعمر (إن أسامة لا يرتشى ديناراً ولا درهماً وحسبُه هذا فضلاً)، يعنى يكفى أنه ليس فاسداً، قال عمر لمحدّثه (أنا أدّلك على من هو شرٌ من أسامة ولا يرتشى ديناراً ولا درهماً.. عدو الله إبليس).
وأما أمير إفريقية يزيد بنى مسلم فكان يأمر بمعارضيه أن يُعذَبوا بين يديه ويشهد عذابهم سعيداً متلذذاً وهو يُسبّح ويحوقل!!..
كان عمر يعرف قبل أن تؤول إليه المسؤولية ما يعانيه الرعية من هذين الأميرين المتجبريْن اللذيْن كانا من أوائل من حوّلوا ولاءهم له وبالغوا فى إعلان تأييدهم له.. فلما أصبح راعياً مسؤولاً عن رعيته، لم يشأ أن يؤخر لحظةً دفع الأذى عن الرعية التى جعل الله سلامتها ومصالحها فى عنقه: يُحاسَب عليها يوم يقوم الحساب.. ولم يستحِ أو يتحرج من مُنافقيه، فليس لديه فواتير يسددها لأحد.
ثم جئ له بمطايا من الخيل المطهمة الأصيلة (سيارات الرئاسة الفاخرة) فتركها وخرج يلتمس بغلته.. وقال: يا مُزاحم (اسم مساعده) ضُم هذا إلى بيت مال المسلمين.. وفعل مثل ذلك مع باقى مخصصات (الرئاسة).. واحتجب عن الناس ثلاثة أيامٍ لا يدخل عليه أحد.
قضى عمر أيام احتجابه الثلاثة وحده يتعبد فى مصلاه بمنزله ويدعو الله أن يُعينه.. ويفكر ويتدبر.. ثم أخذ يتأمل فى سيرة أسلافه من الملوك بعد عصر الخلفاء الراشدين.. كم من المظالم وقعت.. كم من حكامٍ أترفوا فى المال العام، حتى إن بعضهم يمرض من التخمة حتى الموت، وفى الرعية من يهلك من الجوع.. كم.. وكم يا عمر! كم ينتظرك من أعباء.. لا نجاة لك إلا أن ترفع المظالم وتدرأ المفاسد وتحقق مصالح الرعية التى أصبحتَ منذ اليوم أميناً عليها.. لا خلاصَ لك إلا إذا خلّصت هذا العصر من سطوة الفُجّار وتحكُّم الخِصيان والسفلة والندمان والجوارى.. أتشبعُ وفى رعيتك من يجوع؟ أتكتسى وفى أمتك من يعرى؟ فإلى أين تذهب من عذاب الجحيم؟.. واستمر يُسائل نفسه ويرتجف ويبكى حتى ارتفع نشيجه، وهو فى مُصلاه يتأمل ويتفكر.
ودخلت عليه زوجته فوجدته يرتجف من شدة النشيج، ودموعه تجرى على لحيته، فسألته (ما بِك يا أمير المؤمنين؟). ولم يكد يسمع كلمة أمير المؤمنين حتى ارتجف من هول الإحساس بالمسؤولية فاشتد بكاؤه.. فالأمة حين تطلق لقب أمير المؤمنين ولا تذكر الاسم فإنها تعنى واحداً من اثنين: عمر بن الخطاب أو على بن أبى طالب رضى الله عنهما.. ما أعظمهما من قدوة.. إنهما ما حَكَما باُبّهة المُلك قط، لكن بِوَرع الخلافة.. كلاهما كان يحيا حياة أدنى رجلٍ من رعيته فى مسكنه ومطعمه، مع أن تحت يده مُلكُ الدنيا، وهو على خزائن الأرض.. كان الواحد منهما يأكل من الطعام ما خشن ويلبس من الثياب ما قصر.. فما بالك يا ابن عبدالعزيز تأكل أشهى الطعام وتلبس كل يومٍ حُلتين من أثمن ما نسجت مصر! من الآن ستقتدى بهما يا عمر.. وداعاً للثياب الفاخرة والمطايا الفارهة.. وداعاً للملذات وللغنى المتسلط وللترف المختال.. وداعاً لزينة الله التى أحلّ لعباده والطيبات من الرزق.. وداعاً لكل ذلك حتى يتمتع بها الرعية قبل الراعى..
أعادت فاطمة السؤال (ما بِك يا أمير المؤمنين؟).. فأجابها من بين دموعه (تفكرتُ فى الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعارى، والمظلوم، والمقهور، والغريب والأسير، والشيخ الكبير، وذى العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم فى أقطار الأرض، فعلمتُ أن ربى سيسألنى عنهم يوم القيامة، وأن خصمى دونهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فخشيتُ ألا تثبت حجتى عند الخصومة، فرحمتُ نفسى «أى أشفقتُ على نفسى» فبكيت!).
وأخبرها أنه قرر أن يطبّق فوراً قانون (من أين لك هذا؟) على كبار رجال الدولة من بنى أُميّة، فما كان مُغتصباً من شخصٍ بعينه ردّه إليه، وما لم يعرف له صاحباً ضمّه إلى بيت المال.. وسيبدأ بنفسه فيبيع كل ما يملك ويضع ثمنه فى بيت المال.. ثم قال لزوجته (إن أردتِنى فرُدّى ما معك من مالٍ وحُلىٍ وجواهر إلى بيت المال فإنه للمسلمين، وإنى لا أجتمع أنا وهو فى بيتٍ واحدٍ) فردّته جميعاً دون مناقشةٍ أو تردد.. وقد كان ما يملكه وما تملكه كثيراً جداً فقد كانا أبناء وإخوة ملوك.
خرج عمر من أيام اعتزاله الثلاثة شاحب الوجه يحمل هموم أمةٍ بأكملها.. وخطب فى الناس وأعلن قراراته وكان مما قاله (إنى لستُ بخيرٍ من أحدٍ منكم ولكننى أثقلكم حِملاً).
وأرسل إلى عُماله (وزرائه ومحافظيه ورؤساء المؤسسات) بتجريم تضارب المصالح: ألا يتّجر إمامٌ، ولا يحلّ لعاملٍ تجارةٌ فى سلطانه الذى هو عليه.
لا مُتسّع هنا للحديث عن عصر عمر بن عبدالعزيز.. أتحدّث فقط عن أيامه الأولى فى مقر الحكم (قصر الرئاسة).. وهى المقدمات التى كان لابد أن تؤدى إلى ما تحقق من نتائج..
أما النتائج التى تحققت فى فترة حكمه التى لم تتجاوز العامين ونصف فقد كانت عجباً لا زال التاريخ يذكره مشدوهاً.. فاضت الأموال فى خزائن الدولة بعد ما أجراه من إصلاحات.. وأرسل المنادين فى كل مكانٍ، لا يتركون ركناً من حضَرٍ أو بادية أو قريةٍ ولا أى مكانٍ به سكانٌ من البشر لينادوا فى الناس: (أين الغارمون؟ أين من يريدون الزواج؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟).. وعمّ الأمن الدولة مترامية الأطراف.. عامان ونصف العام والأمة آمنةٌ غانمةٌ سعيدةٌ.. لا يفتك فيها ذئبٌ بشاه.
كرهه طبعاً وأنكره وتآمر عليه مَن ضرب مصالحهم من وجوه بنى أمية وأهل الأطماع وأصحاب الضياع ورجال الأعمال الفاسدين.. واستبشر به الفقراء، وسواد الناس، وأهل الورع من العلماء والفقهاء، والذين يعانون حرارة الأشواق إلى العدل والإحسان والحرية واحترام الإنسان.
عامان ونصف العام أمضاها عمر فى صراعٍ مع الطغاة أصحاب المصالح.. اغتنت فيها الأمة وافتقر عمر.. وذات صباحٍ لاحظ الرعاةُ فى المراعى البعيدة أن الذئاب عادت لتنقض على الشياه تفترسها بلا رحمةٍ.. فعلموا أن العبد الصالح إمامَ العدل قد فارق دنياهم.. مسموماً.. مسروراً.. ومِن المفارقة أنه لما تُوفى عمر تولّى الحكم بعده يزيد أخو زوجته فاطمة، فأعاد إليها جواهرها التى كانت قد ردّتها إلى بيت المال، فرفضت أن تأخذها وقالت (ما كنتُ لأطيع عمر حياً وأعصيه ميتاً) ففرّقها على نسائه وجواريه!!.
لتبدأ جولةٌ جديدةٌ من جولات صراعٍ لم ولن ينتهى إلى يوم الدين بين الحق والباطل.. والعدل والظلم.. والرعاة والذئاب.. اللهم ارزقنا بأشباه عمر بن عبدالعزيز فى كل قصور الحكم (الاتحاديات).. نقاتل بهم ومعهم ذئاب العصر.. كل عصر.
(المصدر الرئيسى للمقال كتاب عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء لعبدالرحمن الشرقاوى - بتصرفٍ من الكاتب).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.