صدمنى ردُّ فعلها حين ناولتها صورة المنظر الطبيعى الذى التقطته بعدستى: "ياى إيه الأرف ده ؟"هكذا قالت وهى تأخذ الصورة منى وتلقى نظرة سريعة عليها ! تركتْ انعكاسَ حُمرة الشمس على صفحة النيل الجارى وانسيابية شراع المركب الناصع يتهادى على نسائم الأصيل.. اليد الفتية تدفع المجداف بسلاسة.. تناغم زرقة السماء والماء وخضرة تحتضن المكان، ومفرش الطاولة المزخرف بنقوش يدوية بارزة، حتى رائحة الورود تفوح ناطقة من الصورة.. تركتْ ذلك كله وقالت تشير لفنجان القهوة يحتل مقدمة الصورة على طاولتى: " إيه ده ؟ دبانة ؟ " غمرنى الإحباط.. وتغيرت ملامحى بل ونظرتى لها. نظرة للسلبيات، كفيلة بأن تغطى وتوارى جمال الحياة نفسها.. نعم ليست الحياة وردية، وليس كل ما فيها يسر الخاطر ويبهج الوجدان، لكن قديما قالوا "وبضدها تعرف الأشياء". لولا القبح لما تجلى أَلَقُ الجمال.. لولا أنين القلب من ألم الحزن، ما استشعرنا صفاء ضحكة لحظة السعادة.. لولا بشاعة الكذب، ما ذاقت البشرية طعم الصدق والحقيقة وإن كانت مرة. نتابعُ صنيع الآخرين بعين الناقد المتربص لتصيد الأخطاء، وننسى أنه عمل بشرى يعتريه النقص الإنسانى، وجماله الحقيقى- كونه بشر- فى ذاك النقص. يركز المسئول على خطأ عابر لمرؤوسه، ينسف به ولأجله كل ما قدم من قبلُ، ضاربًا عرض الحائط إيجابياتٍ طالما أداها الرجل. يترك أحدنا كل ما تفعله شريكته -حدود المتاح والإمكانات- ويتشبث بالنواقص.. داعمًا رأيه بحجج تُسوِّغ له منطوقَ حُكمه النهائى: "هى لا تصلح، إنها زوجة فاشلة".. ويغفل أو يتغافل أن (الكلّ) مُركبٌ من أجزاء، إذا ما تأمل بعمق هذه الأجزاء ودورها فى حياته، لأدرك ساعتها شاكرًا قيمة كنز يملكه دون أن يشعر. اعتدنا التركيز على ذلك الزّبَد الذاهب جفاءً، نمطُّ به الشفاه، تلوكه الألسنة، نفرد له الصفحات، نسلط عليه الأضواء لساعات، ونعجز عن تأمل العمق.. الراسخ الباقى "ما ينفع الناس". رفقا عند إصدار الأحكام؛ وَمَن ذا الَّذى تُرضى سَجاياهُ كُلُّها.. كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهُ.