الأعلى للإعلام: إحالة تعدي مها الصغير على حقوق أعمال فنية إلى النيابة العامة    غدا.. إجازة مدفوعة الأجر للقطاعين العام والخاص    الرئيس السيسي: نواصل المسيرة المشرفة لتعزيز مكانة مصر إقليمياً ودولياً    الكنيسة الأرثوذكسية: ثورة 23 يوليو مَكَّنَتْ المصريين من أن يحكموا أنفسهَم بأنفسهِم    وزارة الزراعة تستضيف تدريبًا مكثفًا لطلاب الجامعات المصرية    أسعار اللحوم في مطروح اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    الاستعانة بمركز بحثي متخصص لإعداد دراسة فنية لتطوير كورنيش طنطا في الغربية    الدفاع الروسية: قصفنا مؤسسة للمجمع الصناعي العسكري في أوكرانيا    روما يضم فيرجسون    «سيعود للمستشفى».. شوبير يكشف تطورات الحالة الصحية ل حسن شحاتة    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    تموين المنيا يضبط 262 مخالفة تموينية خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق    إصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة بشمال سيناء    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    تعليم قنا تنظم ندوة تعريفية عن نظام «البكالوريا الجديدة»    تكتفي بالمراقبة أكثر من الكلام.. 5 أبراج يفضلون الصمت    افتتاح المتحف المصري الكبير قريبًا بعد استكمال الترتيبات العالمية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    «عبدالغفار»: 11 مليون خدمة طبية مجانية قدمت في 7 أيام ضمن «100 يوم صحة»    بعد إعلان نتيجة الثانوية العامة 2025.. 8 نصائح لطلاب الدور الثاني للتغلب على التوتر وزيادة التركيز    محافظ الفيوم يهنئ وزير الدفاع ورئيس الأركان بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    الذهب المتوافق مع الشريعة يقود الانتعاش النصفي لبورصة "دبي للسلع"    المصري وحش كاسر، توفيق عكاشة يوجه رسالة تحذير للمتطاولين على المصريين    تجديد حبس طالب بتهمة قتل سيدة لسرقة أموالها بالشرقية    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    خلال 24 ساعة.. ضبط 133 ألف مخالفة مرورية بالمحافظات    رئيس"دفاع النواب": ثورة 23 يوليو ستظل نقطة فارقة في التاريخ المعاصر    بالفيديو.. أستاذ تاريخ حديث: طرد الاحتلال البريطاني أعظم إنجاز لثورة يوليو    15 صورة ترصد عرض "الملك وأنا" بالمهرجان القومي للمسرح    على طريقة عربي.. مصطفى غريب يوجه رسالة طريفة لطلاب الثانوية العامة    البترول: نتائج واعدة للبئر "بيجونيا-2" واستكمال "بلسم-3" في منطقة دلتا النيل البرية    سجل أبطال كأس أوروبا للسيدات قبل نهائي نسخة 2025 بسويسرا    "الزراعي المصري" يحصد جائزة أفضل بنك في دعم التنمية الزراعية المستدامة لعام 2025    طريقة عمل المكرونة بالبشاميل، بطريقة المحلات وطعم مميز    تفاصيل اتفاق الصفاقسي مع معلول    رئيس هيئة الرقابة الصحية من مطروح: تحقيق جودة الخدمات يعتمد بالأساس على تأهيل الكوادر البشرية (تفاصيل)    وزير الصناعة والنقل يشارك في الملتقى الاستثماري المصري الكويتي    توافد المواطنين على ضريح الزعيم جمال عبد الناصر لإحياء ذكرى ثورة 23 يوليو    محمد عبد الحافظ ناصف مستشارًا للشؤون الفنية والثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة    شمال سيناء تواصل عروضها التراثية بمهرجان جرش في الأردن    أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    البث العبرية: واشنطن تهدد حماس بسحب الضمانات بشأن اتفاق غزة    استشهاد 14 فلسطينيًا خلال غارات للاحتلال على قطاع غزة منذ فجر اليوم    بزشكيان: إنهاء البرنامج النووي الإيراني وهم.. ومستعدون لضرب عمق الأراضي المحتلة من جديد    وزير الخارجية يتوجه إلى النيجر في المحطة الثالثة من جولته بغرب إفريقيا    رئيس اتحاد شمال إفريقيا للخماسي يكرم الطالبة وسام بكري الأولى على الجمهورية (دمج) ب 100 ألف جنيه    الوداد يتحرك لضم يحيى عطية الله من سوتشي الروسي    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    مجلس الأمن يعتمد قرارا لحل النزاعات بالطرق السلمية    نقابة الموسيقيين اللبنانية عن تقبيل راغب علامة في حفل العلمين: تعبير عن محبة واحترام    بانوراما أيامنا الحلوة تجسّد مشاعر الحنين إلى الماضي على المسرح المكشوف بالأوبرا    «الأهلي بياخد الدوري كل أثنين وخميس».. نجم الزمالك السابق يتغنى ب مجلس الخطيب    منها السبانخ والكرنب.. أهم الأطعمة المفيدة لصحة القلب    درس حصوله على الجنسية المصرية.. شوبير يكشف مفاجأة بشأن وسام أبو علي    ما هي كفارة اليمين؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبل أن تتحول وفيات أنفلونزا الخنازير إلى إحصائية
نشر في اليوم السابع يوم 18 - 12 - 2009

تحولت أمور عديدة فى حياتنا إلى مجرد إحصائيات، نسردها دون أن نتخذ حيالها أى موقف، وننظر إليها ونتعجب فى أقصى تقدير، فعلى المستوى الإقليمى سقوط العديد من الضحايا والصرعى فى الحروب سواء أكانت حرب أفغانستان أو حرب العراق، أو ضحايا المجازر الإسرائيلية، بخلاف الصراعات الداخلية والتوترات التى تشهدها الساحة العربية والإقليمية سواء أكانت فى باكستان أو السودان أو الصومال أو لبنان، وبمرور الوقت نتعايش مع الأحداث ونتكيف مع وجودها وتتحول الضحايا والصرعى من حولنا إلى مجرد أرقام وإحصائيات، وحيث إن العموميات والمعلومات المجردة لا يستطيع أن يعمل عليها العقل البشرى بكفاءة بعد، ولا يستجيب معها بشكل كبير، لذلك نتعامل معها كأرقام، وأعداد، وقد تصل إلى تخمينات وتكهنات لدى البعض عن الفترة اللاحقة، وكم سوف يكون العدد المرتقب!
وافتتحها وزير الصحة بتوقعه تخطى حالات الوفاة الناجمة عن فيروس (H1N1) المسبب لمرض أنفلونزا الخنازير حاجز ال 100 حالة مع نهاية شهر ديسمبر الجارى، وكأنه يقول لنا علينا أن نتقبل توقعه، ونتعامل معها على أنها إحصائية، ونبارك له قدرته على التوقع والتكهن، دون أن يبرز لنا جهوده الفعلية وآليات الوزارة المتخذة لمواجهة هذا الوباء والقادرة على تقليص خطواته.
إن كانت أنفلونزا الخنازير بدأت فى بعض دول الغرب بقفزات فى بداية الأمر، لكن سرعان ما تم محاصرتها وتحولت من قفزات إلى خطوات والخطوات فى طريق السيطرة عليها وتحجيمها، ولكن نحن فى مصر من الملاحظ أنها بدأت بخطوات، ولكن مهيئة أن تتحول إلى قفزات سريعة مادام مجلس الوزراء ووزارة الصحة والبيئة والتعليم والمواصلات والنقل وغيرهم من الوزارات ذات الصلة لم تتخذ وسائل الحماية الحقيقية بقدر التزام أساليب التهدئة والاطمئنان على الأوضاع، وأننا أفضل حالاً من غيرنا.
إن عدم تحجيم وتقييد هذا الفيروس والسيطرة عليه بطوارئ صحية فعالة قادر أن يتحول بمرور الوقت إلى إحصائية فقط وتتعود آذاننا وتتشبع عقولنا بأعداد الضحايا والموتى الناجمة عن المرض.
ولا يقبل أن تتخذ وزارة الصحة لنفسها ذريعة بالقول إننا أفضل حالاً من غيرنا، وتكتفى بهذا أو حتى مجلس الوزراء، ويستخدمان أسلوب "أننا نبهنا وحذرنا سابقا"، وكأنهما غسلا أيديهما بتهيئة الأوضاع لقبول إحصائية جديدة قد تكون من الوزن الثقيل، وحتى لا نجد أنفسنا واقعين فى فخ عشوائيات الفكر والكلام الكثير دون اتخاذ آليات وبدائل حقيقية قادرة على السيطرة والهيمنة على انتشار المرض وتوغله فى حياتنا.
وعلى الإعلام ومجلس الشعب دور كبير فى التوعية والمسألة، فعلى الإعلام ألا يسهم فى تحويل الأمر إلى مجرد إحصائية بقدر أن عليه دورا فى تجسيد وإظهار الحالة الإنسانية لكل متوفٍ من هذا المرض أو غيره فى حالات الكوارث وسوء الإدارة، والإعلام قد يرتكب خطيئة بالمساهمة فى تقبل الناس للوضع، دون أن يبرز ظروف كل حالة وشخصية المتوفى وظروفه وحياته، وبالتركيز على الجانب الحسى بما يسهم فى تفاعل الناس مع الحالة، وهو ما يدفع الناس إلى التحرك للضغط على الحكومة، ومحاسبتها الذى قد يصل إلى سحب الثقة فى الحكومة، عن طريق ممثلى الشعب فى مجلس الشعب، وحتى إن كان سحب الثقة أمر لم نألفه فى هذا العهد، فإن الضغط قادر على إحراج الحكومة، فى مناسبات عدة، وقادر أيضًا على إحراج بعض ممثلى الشعب المتقاعسين عن القيام بأداء واجبهم الحقيقى باستخدام العديد من الذرائع والحجج، فلا يقبل من أحد من أعضاء مجلس الشعب أن يكون دوره مجرد كومبارس لتجميل الصورة.
وكما أُثر عن جوزيف ستالين خبير الحرب وصاحب القبضة الحديدية "موت شخص واحد يعد فاجعة، أما موت مليون شخص فهو مسألة إحصائية"، ويروى "نسيم طالب" فى مؤلفه البجعة السوداء الحاصد أعلى المبيعات وفقًا لقائمة نيويورك تايمز، إنه إبان الحرب الأهلية اللبنانية، وفى أواخر السبعينات من القرن المنصرم سقط طفل فى إحدى الآبار فى إيطاليا، ولم يستطع رجال الإنقاذ سحبه إلى خارج فوهة البئر، فظل الطفل يبكى فى داخل البئر دون رجاء، وتعلقت أنظار وأسماع إيطاليا والعالم بمصير الطفل تتابع التغطية الإعلامية والصحفية لمصير الطفل، وكانت صرخات الطفل تحز فى ضمائر المتابعين والمنقذين والإعلاميين، وبالرغم من الحرب الأهلية المضرمة فى لبنان فى هذا الوقت، وفيما كان اللبنانيون فى أوج أزمتهم، فإنهم كانوا أيضًا مشدودين إلى مصير ذلك الطفل، الطفل الإيطالى ذاته، بالرغم إن الناس كانوا يموتون بسبب الحرب، وكان المدنيون يعانون من تهديدات السيارات المفخخة، ولكن مصير الطفل الإيطالى جاء فى مرتبة عالية من اهتمامات وهموم اللبنانيين وقد عبرت بيروت وقتها عن ذهاب بعض همها بعد أن تم إنقاذ الطفل فى نهاية الأمر.
وهكذا لعب الإعلام الإيطالى والوكالات الإعلامية والصحافة دورًا كبيرًا فى بروز مأساة الطفل بشكل يفوق مأساة شعب كامل يتعرض للفتك وللنار، إنه نوع من أنواع التركيز وتسليط الأضواء على الحالة الإنسانية، وقدرة العقل أن يعمل على الشكل الواضح والمحدد والتفاعل معه، ولا يعمل بكفاءة بعد مع الإحصائيات والبيانات العامة ومع الأعداد، فإذا أردنا ألا تتحول أنفلونزا الخنازير أو غيرها من الحالات التى نسردها بشكل فيه من العمومية إلى إحصائية، علينا أن نسرد الحكاية بوضوح وأن نركز الضوء على الحالة وجانبها الحسى، وعلى من يعيشون من حولها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.